فائدة : قال الشهاب ابن حجر في شرحه على العباب : وقع في فتاوى السبكي الميل إلى حرمة المشي والجلوس على بساط فيه أشكال حروف المعجم ، واستدل بأدلة ، قال هو إنها ليست بالقوية التي يعتمد عليها وحدها ، ثم ذكر تلك الأدلة الضعيفة ، وما يتفرع عليها من عدم الجواز ودلالته تنبئ عن الاستناد لتلك الأدلة ، كما يعلم لمن تأملها حق التأمل ، ولم يتأمل بعضهم كلامه فنسب إليه الجزم بالتحريم ، وليس كما زعم ، وأغرب من لا يعتد به ، فأخذ من تلك الأدلة أن كل كتابة يحرم امتهانها ، وإن دلت على قبيح ، وهذا زعم باطل ، فقد جوزوا الاستنجاء الذي لا غاية في الامتهان به بنحو الفلسفة ، ويلزم على ذلك بطلان تقييدهم جزمه الاستنجاء بما كتب عليه اسم معظم ، ولا قائل بذلك ، وإذا خرج نظم القرآن عما يجب له من الاحترام والتعظيم بقصده لغير الدراسة فما ظنك بالحروف وأشكالها ، ولا نظر لتألف كلام الله ورسوله منها ، لأن ذلك لا يقتضي ثبوت الاحترام لها إلا بعد ذلك التألف لا قبله ، وقول السبكي : لا يمتنع القول بتحريم الدوس على نحو ورقة بيضاء ؛ لأنها خلقت لأن يكتب فيها القرآن والحديث والعلم النافع ، وهم لتصريحهم بحل الاستنجاء بالورق الأبيض إذا كان فارغا ، وزعمه أنها خلقت لذلك ، وأن الحروف خلقت لأن ينتظم منها كلام الله ونحوه ، لا يصح إلا إن ورد نص بذلك ؛ لأن هذا ليس مما يستقل العقل به ، على أن استعمال الشيء في غير ما خلق له لا يطلق القول بتحريمه ، فقد نصت آية النحل على أن الخيل / خلقت للركوب ، وفي كتب الحنابلة يحل 3 ب الانتفاع بالحيوان في غير ما خلق له ، أي غالبا ، كركوب البقر ، والحمل عليها واستعمال الإبل والحمير في الحرث ، انتهى ، وقواعدنا لا تابى ذلك ، ويلزمه تحريم دوس نحو الأدوية ، والأقلام ؛ لأنها على رأيه خلقت لأن يكتب بها ، نحو القرآن ، والقول به بعيد ، وقول بعض الحنفية : لا ترمين براية القلم المستعمل ؛ لاحترامه ، يحمل على أن ذلك لا ينبغي ، لا على الحرمة , انتهى ملخصا ، وقيل : هذه الفواتح ، اسم : أي أسماء ، قرآن : أي أن فاتحة كل سورة ابتدأت بنحو هذه الأحرف ، اسم للقرآن بتمامه ، ولذا أخبر عنها بالكتاب في قوله تعالى : [ الر كتاب أنزلناه ] والقرآن في قوله : [ الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ] ، والمراد بالقرآن مجموعه ، لا القدر المشترك لاتحاد الاسم فيه والمسمى ، ولا ضرر في تعدد الاسم ؛ لأنه يدل على شرف المسمى ، أو بالروح ، أي وقيل : هذه الفواتح ، سما سورة ، أي كل سورة بدئت بما ذكر ، وهو قول أكثر المتكلمين ، ونقض بأمور أحسنها أن أسماء السورة توقيفية ، ولم يرد مرفوعا ، ولا موقوفا عن أحد من الصحابة ، ولا من التابعين أن هذه أسماء للسور ، فوجب إلغاء هذا القول ، ونقضه الرازي أيضا بأنها لو كانت أسماء لوجب اشتهارها بها ، وقد اشتهرت بغيرها ، كسورة البقرة ، وآل عمران ، وقيل : هذه الفواتح اسم مولانا المصور للورى ، أي الخلق ، قاله ابن عباس ، ويدل عليه ما رواه ابن ماجة في تفسيره أن عليا رضي الله عنه كان يقول : يا كهيعص ، يا حم عسق اغفر لي ، قال البيضاوي : ولعله أراد يا منزلها ، قال شيخ الإسلام زكريا : ولا ينافي هذا قول من قال إن معناه يا من يجير ولا يجار عليه ؛ لاتحادهما معنى وإن اختلفا لفظا ، كما في قوله تعالى : [ أولئك عليهم صلوات / من ربهم ورحمة ] وقيل : هذه الفواتح ، اقتطاع : أي مقتطعة 4 أمن سماه ، بتثليث السين ، أي أسماء لربنا : كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : الألف : آلاء الله ، واللام : لطفه ، والميم : ملكه ، وعنه أن الر ، وحم ، ون مجموعها الرحمن ، وعنه أن الم معناه أن الله أعلم ، ونحو ذلك في سائر الفواتح ، وعنه في كهيعص : كبير ، هاد ، أمين ، عزيز ، صادق ، وعنه أن الألف من الله ، واللام من جبريل ، والميم من محمد ، أي القرآن منزل من الله ، بلسان جبريل ، على محمد صلى الله عليه وسلم ، ورد هذا القول بأن كلام ابن عباس رضي الله عنهما ليس تفسيرا ، ولا تخصيصا بهذه المعاني دون غيرها ، إذ لا مخصص لفظا ومعنى ، بل هو تنبيه على أن هذه الحروف منبع الأسماء ، ومبادئ الخطاب ، وتمثيل بأمثلة حسنة ، ألا ترى أنه عدد كل حرف من كلمات ، وقيل : ما افتتح به ، مزيد : أي زائد للتنبيه ، والدلالة على انقطاع كلام واستئناف آخر كاسم صوت لمن درى : ورد بأن هذه الألفاظ لم 000 (¬1) مزيدة للتنبيه ، والدلالة على الانقطاع ، والاستئناف يلزمها وغيرها من حيث إنها فواتح السور ، ولا يقتضي ذلك أن لا يكون لها معنى في حيزها ، وقيل : ما افتتح به ، اسم أعداد لمدة أمة وآجالهم : جمع أجل ، فاحفظ كما قد تقررا : قاله أبو العالية متمسكا بما روي أنه صلى الله عليه وسلم لما أتاه اليهود، ولا عليهم : الم البقرة حسبوه ، وقالوا : كيف ندخل في دين مدته أحد وسبعون سنة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : تحصل غيره ، فقال : المص ، و( الر ) و( المر ) ، فقالوا خلطت علينا ، فلا ندري بأيها نأخذ ، فإن تلاوته إياها بهذا الترتيب عليهم ، وتقريرهم على استنباطهم دليل على ذلك، وهذه الدلالة ، وإن لم تكن عربية لكنها لاشتهارها فيما بين الناسحتى العرب ، تلحقها بالمعربات كالمشكاة ، والسجيل ، والقسطاس ، ورد هذا بأنه لا دليل في الحديث لجواز أنه صلى / الله عليه وسلم تبسم تعجبا من جهلهم ، 4ب وفي الأربع الأقوال الأولى بالنقل ، وهي أن معناها الحروف ، أو أسماء قرآن ، أو أسماء السور ، أو أسماء الله عز وجل ، محلها : أي الفواتح ، له الرفع عن بدء وعنه: الواو بمعنى أو ، أي أو فأخبرا : عنه ، وحاصله أن ( الم ) مثلا إما مرفوعا بالابتداء ، وذلك الكتاب خبره ، أو خبر لمبتدأ محذوف ، أي هذا ( الم ) وهذا في غير المعنى الأول ، أما هو فإنه قدره بالمؤلف من هذه الحروف ، كان في حيز الرفع بالابتداء أو الخبر ، وإن جعلته مقسما بها ، أقسم الله بها ؛ لشرفها لأنها مباني كتبه المنزلة ، وأسمائه الحسنى ، وصفاته العليا ، وأصول كلام الأمم، كان كل كلمة منها منصوبا ، أو مجرورا على اللغتين في الله لأفعلن ، كما أفاده القاضي ، قال سيخ الإسلام ، وخرج بقوله : فإن قدرت بالمؤلف ألخ ، ما إذا أبقيت على معانيها من غير زيادة ، فهي موقوفة ، خالية عن الإعراب ، انتهى ، وقد اختلف في أن الأسماء قبل التركيب معربة أو مبنية ، أو لا ، والأقوال ثلاثة ، أو انصب بفعل للقسم على طريقة الله لأفعلن بالنصب ، أو فعل غير القسم ، نحو اقرأ ، أو اقرأ الم أو انصب بإسقاط خافض أو اجرر بحرف للقسم مضمر كن لذا متبصرا أي متفكرا متأملا ، والتلفظ بالكل على وجه الحكاية ساكنة الأعجاز إلا أن ما كانت مفردة مثل هارون يتأتى فيها الإعراب اللفظي أيضا ، وكذا ما وازن منها المفرد ، نحو : حم ، ويس ، وطس ، فإنها موازنة لقابيل ، وأما ما عدا ذلك ، نحو كهيعص ، فليس فيه إلا الحكاية ، قال شيخ الإسلام : ومحل تأتي ما ذكر في غير القرآن ، إذ القرآن لا يغير عن وضعه ، ولا حكاية فيه ، ويحتمل أن يكون قرئ بذلك شاذا ، وهو في غاية البعد ، انتهى / وقال السيوطي في حاشيه على البيضاوي : اعلم أن للرفع وجهين ، 5 أوللنصب وجهين ، وللجر وجها واحدا ، فوجها الرفع إما أن يكون ( الم ) مبتدأ ، وذلك الكتاب خبر ، وإما أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي هذه ( الم ) ، وأما وجها النصب فإما على المفعولية ، تقديره اقرأ أو اتل ( ألم ) ، وإما بحذف حرف القسم على رأي من نصب به ، وأما الجر فبتقدير حذف حرف القسم ، والجر به ، وقال الكواشي : ( الم ) تام إن رفعته ابتداء أو خبر ابتداء ، أو نصبته بمضمر تقديره هذه ( الم ) أو ( الم ) هذه ، أو اقرأ ( الم ) لأنه يصير جملة مستقلة ، وكذلك يتم إن جعل كل حرف منها من كلمة ، تقديره أنا الله أعلم ، وغير جائز إن جعل ( الم ) مبتدأ ، خبره ذلك الكتاب ، أو جعلته خبرا مقدما عنه ، انتهى .
ولا تعربن أنت الفواتح فيما سوى ذي : أي هذه الأقوال الأربعة من بقية الأقوال ، بل اسردن : قال في المصباح : سردت الحديث سردا من باب قتل ، أتيت به على الولاء ، انتهى . بل ائت بها معدودة ، ويوقف عليها وقف التمام إذا قدرت ، بحيث لا تحتاج إلى ما بعدها ، وليس شيء منها آية عند غير الكوفيين ، وأما عندهم ف ( الم ) في مواقعها ، و( المص ) و( كهيعص ) ، و( طه ) و( طسم ) و( يس ) و( حم ) آية ، و( حم عسق ) آيتان ، والبواقي ليست بآيات ، وهذا توقيفه لا مجال للقياس فيه ، كذا قال البيضاوي ، قال شيخ الإسلام : والذي يفهمه كلام المرشد أن الفواتح كلها آيات عندهم ، في جميع السور ، انتهى .
صفحة ٨