============================================================
ما لم يعهد مثله إلا لملك مستبد إلى أن مات ضخوة نهار الخميس تاسع عشر رمضان سنة ثمان وثمان مثة، ولم يكمل ثلاثين سنة من العمر.
فشهد الأمراء بأجمعهم جنازته مشاة من داره ببركة الفيل إلى مصلى المؤمني تحت القلعة، وهي مسافة بعيدة، وعاين الناس عجبا من تجئع الناس من كل جهة لمشاهدة نعشه مع كثرة تأشف الخاصة والعامة، وانطلاق الألسن بالترخم عليه والدعاء له وكثرة البكاء. ونزل الناصر حتى صلى عليه وحمل تابوته عندما رفع من المصلى، وعزم على المضي إلى تربته لولا دخول الأمراء عليه وإلحافهم في السؤال له أن يضعد إلى قلعته، فتناوب الأمراء حمل تابوته إلى حيث ذفن بظاهر باب المخروق، وأدرت الأرزاق على أولاده من بعده.
وكان، رحمه الله، مليح الشكل، ممشوق الزي، كثير الزهو، شديد الإعجاب، مفضلا مهابا، وافر الخرمة، قائما في حظ نفسه إلى الغاية، لا يحب أن يشاركه في الرياسة أحد، ولا يرضى لمن يناوئه بدون الهلاك، مبسوط اليد بالعطاء، باذلا للمعروف والصدقات، قام في أيام المحن بمواراة الآلاف من الناس، فتزايد حب الناس له .
إلا أنه على الحقيقة أحد الاثنين اللذين قاما بتخريب الدنيا وطي بساط نعمة أهل مصر وزوال بهجتهم بما اعتمده من غلاء سغر الذهب حتى بلغ الدينار بعد آن كان بخمسة وعشرين درهما إلى مثتين وخمسين درهما، فأقفر جو المسرات وانحطت رتب الناس، وصاروا إلى بؤس وقلة وفقر ومسكنة. وقد أفردث في هذه المحن مقالة بينث فيها الأسباب التي نشأت عنها، فالله يخفف عنه فلقد هلك بفعلته هذه من إقليم مصر أمم لا يحصي عدها إلا خالقها، كل ذلك لغرضه في تكثير ماله.
أخبرني ناصر الدين محمد بن محمد بن عبدالعزيز، قال: أخبرني شرف الدين محمد ابن الدماميني السكندري مختسب القاهرة وتاظر الجيش آنه ناله من مال مخمود الأستادار أيام كان يباشر عنده خمسون آلف دينار، ونال ابن غراب هذا سبع مثة ألف دينار. وهذا المال هو
صفحة ٩٨