فابتسم حسين ولم يجب، فسأله الآخر: وما شهادته؟ - الكفاءة! - يا خبر أسود، أنت تمزح. - كلا، العبرة ليست بالشهادة. - العبرة بماذا؟ دلني كيف يصل إنسان إلى هذا الحظ؟ .. ها هو يقف معي في صف واحد في الصورة، فخبرني كيف بلغ هذه المرتبة؟!
فقال ملاطفا: هنالك شيء اسمه الحظ.
فهز الآخر رأسه في حزن وقال بيقين: لا يوجد عمل في بلادنا يستحق هذا القدر من المال، وإلا فلماذا لم نصل إلى القمر؟
وضحك حسين قائلا: على أي حال أنتم أحسن حالا من الملايين.
فقال محتجا: الملايين! أنا عارف هذا، ولكن حامد زهران هو المشكلة.
ولم يجد صعوبة في الاتفاق على مقابلة مع جاره القديم حامد زهران. ولما كانت الشركة ليست بالمكان المناسب للمقابلة الحرة؛ فقد دعاه إلى مسكنه بالدقي. وتطلع حسين إلى الفيلا القائمة في أحضان الصفصاف بإعجاب، وسرعان ما ذكرته بقصر عباس الماوردي في عزبة قليوب، الهندسة الرائعة والحديقة السابغة وأنفاس العز العطرية. ترى أي صورة يتراءى فيها اليوم ذلك الجار القديم؟ .. فإنه لا يحتفظ منه إلا بالعود النحيل والوجه الشاحب، العابث في ضحكه، شبه الجائع، وهي صورة لا تتلاءم بحال مع هذه الفيلا المثيرة. الله يرحم أيام زمان يا حامد، أيام الشلن تقترضه بشتى الحيل، ولا ترده ولا بالطبل البلدي، ليت الزمن لم يفرق بيننا، إذن لرأيت عن كثب كيف تقع هذه الزلازل البشرية! - أهلا حسين، أين أنت يا رجل؟
كان في كامل زيه كالكبراء في بيوتهم، وكان الصالون يخطف الأبصار بالأضواء والمرايا والتحف، أما هو فقد اخضر عوده وجرى فيه ماء الحياء. - أنا أحتج على هذه الزيارة النفعية، كان يجب أن يكون هذا البيت بيتك، حتى التهنئة الواجبة لم أتلقها منك في حينها!
وارتبك حسين قليلا، لكنه قال بلباقة: لن يشفع لي عذر! .. لذلك أطلب العفو!
وضحك حامد قانعا. ونسيا في حديث الذكريات الحاضر وقتا غير قصير، ثم تحفز الصحفي للعمل. وتجنب حسين الأسئلة التي قد يشتم فيها تعريض أو سخرية، قاصرا تحرياته على النجاح وكيف تيسر له، وعن سياسته في الشركة وآرائه في جيله ... إلخ. - كانت تربطني بالمدير السابق علاقة العمل، قبل أن يتولى إدارة الشركة فاختارني سكرتيرا له ثم مديرا لمكتبه، فهو قد اختارني عن خبرة سابقة.
خبرة سابقة! الحق أنك فتحت بيتك القديم نادي قمار للسادة من رؤسائك، نادي قمار وغرزة أيضا، ولكن من المقطوع به أنك ذكي نهاز للفرص! - وفي مدة خدمتي في مكتبه درست كل كبيرة وصغيرة مما يتصل بالعمل، وتعرفت على جميع الكبار من المتعاملين مع الشركة. - في هذا يوجد الفرق بين العبقري والعادي من السكرتاريين. - ومديري هو الذي رشحني للوظيفة عند نقله منها إلى الخارج. - نعم الترشيح! ولكن ما هي السياسة التي رسمتها للمستقبل؟
صفحة غير معروفة