الدنيا ما لها يا زعبلاوي
شقلبوا حالها وخلوها ماوي
وكانت أغنية ذائعة على عهد طفولتي، فخطر لي يوما أن أسأل أبي عنه كعادة الأطفال في السؤال عن كل شيء، سألته: من هو زعبلاوي يا أبي؟
فرمقني بنظرة مترددة كأنما شك في استعدادي لفهم الجواب، لكنه قال: فلتحل بك بركته، إنه ولي صادق من أولياء الله، وشيال الهموم والمتاعب، ولولاه لمت غما.
وفي السنوات التي تلت ذلك سمعته مرات، وهو يثني أطيب الثناء على الولي الطيب وكراماته.
وجرت الأيام فصادفتني أدواء كثيرة، وكنت أجد لكل داء دواءه بلا عناء وبنفقات في حدود الإمكان، حتى أصابني الداء الذي لا دواء له عند أحد، وسدت في وجهي السبل وطوقني اليأس، فخطر ببالي ما سمعته على عهد طفولتي، وتساءلت لم لا أبحث عن الشيخ زعبلاوي؟! وذكرت أن أبي قال إنه عرفه في بيت الشيخ قمر بخان جعفر، وهو شيخ من رجال الدين المشتغلين بالمحاماة الشرعية، فقصدت بيته، وأردت التأكد من أنه ما زال يقيم فيه، فسألت بياع فول أسفل البيت، فنظر الرجل إلي باستغراب وقال: الشيخ قمر؟! ترك الحي من عهد بعيد، ويقال إنه يقيم اليوم بجاردن ستي، وأن مكتبه بميدان الأزهار.
واستدللت على عنوان مكتبه بدفتر التليفون، وذهبت إليه من توي في عمارة الغرفة التجارية. واستأذنت، ثم دخلت الحجرة على أثر خروج سيدة حسناء منها أسكرتني برائحة زكية كالسحر المخدر. استقبلني باسما، وأشار إلي بالجلوس، فجلست على مقعد جلدي فاخر، وأحست قدماي رغم غلظ النعل بغزارة السجادة ونفاستها. وكان الرجل يرتدي البدلة العصرية ويدخن السيجار، ويجلس جلسة المعتد بنفسه وماله، وينظر إلي بترحاب حار لم أشك معه في أنه يظنني زبونا، فركبني الحرج والضيق؛ لتطفلي على وقته الثمين. قال يستحثني على الكلام: أهلا وسهلا!
فقلت لأضع حدا لموقفي الحرج: أنا ابن صديقك القديم الشيخ علي التطاوي!
فمرت بنظرته رنوة فتور، لا الفتور كله؛ لأنه لم يفقد الأمل كله، وقال: الله يرحمه، كان رجلا طيبا!
فتشجعت على البقاء بقوة الألم الذي ساقني إلى المجيء، وقلت: كان حدثني عن ولي طيب يدعى زعبلاوي، قابله عند فضيلتكم، إني يا سيدي أريده إن كان ما يزال على قيد الحياة.
صفحة غير معروفة