ثم نظر إليهن قائلا: والآن تفضلن مشكورات؛ حتى ندبر أمورنا.
ومضت الجالسات يقمن ويغادرن الحجرة ، واحدة في أثر أخرى، حتى لم يبق إلا امرأتان على الكنبة، واحدة عجوز والأخرى شابة في العشرين، فابتسم الحاج مصطفى، وقال مخاطبا عبد العظيم: أراهن على أنك لا تعرف هاتين السيدتين! على أي حال هما قريبتاك، الست بنت بنت أخت نظيرة، وهذه ابنتها!
تبودلت نظرات باسمة في فتور. وتوترت أعصاب عبد العظيم وتفيدة بقلق وعدم ارتياح. واندفعت تفيدة قائلة: نريد أن نطمئن على أشياء عمتي!
وقال الحاج مصطفى: لا أحد يدري عنها شيئا، ولكن يحسن بنا أن نفتش المكان.
وقام - والأعين تلاحقه - إلى الصوان ففتحه، ولكنه لم يجد به سوى بعض الفساتين البسيطة والثياب الداخلية. وعاد إلى السرير فأخرج الصندوق من تحته وفتحه، فوجد به أواني نحاسية، وموقد غاز، وأطباقا، وعلبة سمن، وزجاجة زيت، وكيس ملح. وسرعان ما أغلقه وأعاده إلى موضعه .. ونظر إلى تفيدة قائلا: يحسن بك يا ست تفيدة أن تفتشي صدرها.
فجفلت تفيدة، وهي تبادل أخاها نظرات الحرج، ولكن الحاج مصطفى قال: يا جماعة إنها مصابة بنقطة، يعني الشلل، ألا تعرفان ما يعنيه هذا، وبخاصة في مثل سنها؟!
فقالت تفيدة بإشفاق: الأعمار بيد الله، وربما أفاقت وعلمت بما فعلنا.
فقال الحاج مصطفى بعفوية عجيبة: أقطع ذراعي إن طلع عليها الصبح!
ثم بلهجة المعتذر: يجب أن نتدبر أمرنا.
وقامت تفيدة في شيء من التردد فمضت إلى الفراش، ثم أدخلت يدا مرتعشة إلى صدر عمتها وأخرجت ما وجدته، أحجبة وعلبة سجائر ولفافة غليظة، ثم أعادت الغطاء كما كان وعادت إلى مقعدها. وتناول الحاج مصطفى اللفافة وراح يفكها تحت الأعين المحملقة. وتمخض البحث عن كيس صغير وورقة مطوية، بسطها الحاج بعناية، وإذا بالعجوز تصيح: دفتر توفير .. دفتر توفير وحياة ربنا في سماه!
صفحة غير معروفة