كيف تحافظ على صلاة الفجر؟
صلاة الفجر من أعظم الصلوات وأفضلها، فقد انفردت عن غيرها بخصائص ومزايا كثيرة، ومن ذلك: أن بها يعرف الصادق من المنافق، فتجدها أثقل صلاة على المنافق، فينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في جماعة حتى لا يوصف بالنفاق، وبالمحافظة عليها تنصر الأمة على عدوها وتحفظ منه ومن سائر المصائب والآفات.
1 / 1
صلاة الفجر بين الصادقين والمنافقين
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أهلًا ومرحبًا بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله ﷿ أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.
أما بعد: فما أسهل أن ينطق اللسان يا إخواني ويا أخواتي بكلمة الإسلام، ما أسهل ذلك، ولكن ما أصعب أن يترسّخ الإيمان في قلب الإنسان، انظر ماذا يقول ربنا: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات:١٤]، كلام اللسان: ﴿وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات:١٤]، مشكلة حقيقية أن يختلط الحابل بالنابل، أن يختلط الصادق بالكاذب، أن يختلط المؤمن بالمنافق مشكلة خطيرة، اختلاط المنافقين بالمؤمنين يضعف الصف: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾ [التوبة:٤٧]، أي: إلا اضطرابًا وإلا ضعفًا، ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [التوبة:٤٧].
لذلك فإن الله ﷿ من رحمته بالصف المؤمن أن ينقيه على الدوام، والتنقية تكون عن طريق اختبار صعب، لا يقوى على النجاح في هذا الاختبار إلا المؤمنون حقًا، يقول ﷾ في كتابه الكريم: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت:١ - ٢]، أي: هل تعتقدون أيها المؤمنون أنكم ستقولون بلسانكم: آمنّا ثم لا يصدق هذا اللسان عملًا من الأعمال؟ يقول ﷾: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت:٢]! تعجب كبير جدًا: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [العنكبوت:٣]، سنة من سنن ربنا ﷾: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت:٣].
إذًا: ربنا ﷾ سيجعل لنا اختبارات كثيرة جدًا، منها: الجهاد فهو اختبار صعب، لكن ليس مستحيلًا، ينجح فيه المؤمن، ويسقط فيه المنافق.
كذلك: الإنفاق، وحسن معاملة الناس وكظم الغيظ اختبار، وهكذا الحياة كلها اختبار من أول أيام التكليف إلى لحظة الموت، قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك:٢].
سنتكلم عن اختبار من الاختبارات الصعبة جدًا، فليس أي شخص ممكن ينجح فيه؛ لدرجة أن الرسول ﷺ جعل هذا الاختبار مقياسًا واضحًا بين المؤمن والمنافق، فهو اختبار خطير، والذي سيسقط في هذا الاختبار سيكون منافقًا بنص كلام رسول الله ﷺ.
الاختبار هذا يا إخواني ويا أخواتي هو اختبار صلاة الفجر.
صلاة الفجر في جماعة للرجال، وصلاة الفجر في أول وقتها للنساء.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ﵁ وأرضاه قال: قال رسول الله ﷺ: (إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما - أي: لو يعلمون ما فيهما من الأجر- لأتوهما ولو حبوًا).
تخيل نفسك أنك لا تستطيع أن تمشي أصلًا كأن تكون رجلك مكسورة وليس هناك من يعينك على المشي والذهاب إلى صلاة الفجر في المسجد، فتذهب حبوًا كالأطفال؛ لأنك تعرف كمية الخير التي في هذه الصلاة.
ذنب عظيم أن يتخلف مسلم مؤمن عن صلاة الفجر في جماعة، أو عن صلاة العشاء في جماعة.
أما وقت الصبح فهو ما بين طلوع الفجر وما بين شروق الشمس، يقول لي أحد الناس: إنه سمع في برنامج من البرامج أن وقت الصبح إلى بداية وقت الظهر.
قلت: سبحان الله! يعني: سيصير الوقت مفتوحًا إلى الظهر، فأين الاختبار هذا؟! نقول: الوقت يا أخي ينتهي بشروق الشمس، هذا الوقت القليل المحدود الصعب، هو فعلًا صعب ومقصود أنه يكون صعبًا.
روى مسلم عن عبد الله بن عمرو ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس)، كلام في منتهى الوضوح، والأصعب من هذا يا إخواني أن اختبار النفاق من الإيمان لا يكتفي بمجرد أن تدرك الصبح في بيتك، لا، لا بد أن تدرك الجماعة في المسجد، كما قال ﷺ، وأنا أعرف أنه صعب ومقصود أنه يكون صعبًا؛ لأنه اختبار خطير، والنتيجة خطيرة كما قلنا.
1 / 2
مشكلة تخلف معظم المسلمين عن صلاة الفجر
للأسف الشديد إن ضياع صلاة الفجر مشكلة شديدة الشيوع في أوساط المسلمين رجالًا ونساءً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأنا أتكلم عن حقائق في شرع الله ﷿، أتكلم عن نصوص محكمة يا إخواني ليس فيها لبس، أتكلم عن أمور لا يوجد فيها اختلاف، بل أجمع العلماء عليها، قد يقول قائل: لكن أنا فعلًا لا أستطيع القيام للفجر، بالنسبة لي مستحيل، أقول له: كيف يكون في حقك مستحيلًا، ولا يكون في حق غيرك مستحيلًا؟! تعالوا نفكر معًا، أولًا: يقول الله ﷿ في كتابه: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة:٢٨٦]، فهل صلاة الصبح في هذا التوقيت تكليف أم ليست تكليفًا؟ هي تكليف، وفرض أم ليست فرضًا؟ هي فرض، على كل المؤمنين أم على طائفة معينة من المؤمنين؟ على كل المؤمنين، والله ﷿ يعلم الوسع أو لا يعلمه؟ يقينًا يعلمه، ومع ذلك كلفك بصلاة الصبح في هذا التوقيت.
إذًا: لا ينفع عقلًا ولا شرعًا لمسلم يؤمن بحكمة الله ﷿ وبعلم الله وبعدل الله أن يدعي أنه لا يستطيع تنفيذ تكليف من تكاليف الله ﷿، هذا أول أمر.
الأمر الثاني: عشت في أمريكا فترة، وكنت أذهب لصلاة الفجر في المسجد وأرجع منه الساعة السادسة صباحًا، وكنت أجد الطريق السريع مليئًا بالسيارات عن آخره في الساعة السادسة صباحًا، وهؤلاء الناس كلهم من نصارى ويهود وملاحدة، وهؤلاء استيقظوا في ميعاد الفجر؛ لكي يذهبوا إلى دنياهم وإلى أعمالهم، كل هؤلاء الناس استطاعت أن تستيقظ الساعة الرابعة أو الخامسة؛ لكي تخرج الساعة السادسة صباحًا إلى شغلها.
وهناك أناس آخرون كنت أراهم في الشوارع وأنا في طريقي لصلاة الفجر، يعني: قبل الفجر، فهؤلاء هم أصحاب الرياضة، تجدهم يجرون في الشارع في الهواء النقي في ذلك الوقت، وهناك أناس قبل أن تذهب إلى العمل تخرج كلابها للفسحة؛ لأن الكلب يقعد محبوسًا في البيت من الساعة السادسة صباحًا أو السابعة صباحًا إلى الساعة السادسة أو السابعة في الليل، فصاحب هذا الكلب يستيقظ قبل الفجر لكي يفسح الكلب، لكي يجعله يستنشق هواء لطيفًا ونظيفًا.
فالأمريكي نصرانيًا كان أو يهوديًا أو ملحدًا يستيقظ قبل الفجر لأجل الكلب، وبعض المسلمين، أو كثير من المسلمين، أو دعوني أقول بصراحة: معظم المسلمين لا يستيقظون لله ﷿، هذه مأساة يا إخواني، ثم أنت شخصيًا، يا ترى لو عندك موعد طائرة أو قطار الساعة السادسة صباحًا ستستطيع أن تستيقظ وتذهب في الموعد، أم ستقول: إن إمكانياتك البشرية لن تسمح؟! يا ترى لو ظروف عملك تضطرك أنك تستيقظ الساعة الرابعة أو الخامسة صباحًا ستستطيع أن تستيقظ، أم ستعتذر كل يوم لرئيسك في العمل وتقول له: والله ظروفي صعبة لا أستطيع؟ أقول لك بصراحة: يا ترى لو أن شخصًا سيعطيك ألف جنيه في ميعاد الفجر يوميًا لمدة سنة هل ستستيقظ أم لا؟ ستستيقظ لتأخذ الألف جنيه؛ لأنك ستحصل خلال السنة على ثلاثمائة وخمسة وستين ألف جنيه، افرض أنك في آخر السنة مت وأنت تارك وراءك ثلاثمائة وخمسة وستين ألف جنيه وليس معك ولا صلاة فجر في قبرك، أو أنك مت وليس لديك ولا جنيه ومعك ثلاثمائة وخمسة وستون صلاة فجر في القبر معك أيهما أفضل لك؟ فكر بصدق وأجب بصدق، فهل يا ترى ستستيقظ للمال أم ستستيقظ للفجر؟
1 / 3
خصائص المحافظة على صلاة الفجر
الرسول ﷺ يا إخواني كان يعلم أنه يصعب علينا صلاة الصبح في موعدها، لأجل هذا كان له أسلوب تربوي رائع في تحفيز المسلمين لهذه الصلاة المحورية الخطيرة، التي تميز الصادقين من المنافقين، فقد أعطى ﷺ خصائص هامة فريدة لصلاة الصبح؛ لترغيب المسلمين في هذه الصلاة العظيمة الهامة من هذه الخصائص:
1 / 4
عظم أجر المحافظة على صلاة الفجر في جماعة
الخاصية الأولى: تعظيم الأجر جدًا لمن صلى الصبح في جماعة في المسجد، حيث يقول ﷺ: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله)، يا الله! هل تستطيع أن تصلي الليل بأكمله؟ هذه فرصة أن تأخذ بصلاة العشاء والفجر في جماعة أجر قيام الليل في صلاة.
سألت الإخوة المصلين في ليلة السابع والعشرين من رمضان وأثناء صلاة التهجد، وكان ما شاء الله العدد كبيرًا، والقيام طويلًا، سألتهم: هل يا ترى قيام ليلة القدر بكاملها أفضل وإلا صلاة الفجر في جماعة في شهر صفر أو رجب أو شوال أو أي شهر غير رمضان؟ ويا ترى أيهما أثقل في الميزان؟ وأيهما لو فاتتك تحزن أكثر؟ أيهما لو فاتتك تلام من الله أكثر؟ أجب، تستطيع أن تصلي عشرين ركعة سنة للظهر من غير ما تصلي الفرض؟ لا ينفع، يقول ﷺ: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).
إذًا: أولًا الفرض ثم تأتي النوافل.
يا ترى لو عرفت أن ليلة القدر كانت ليلة كذا، وأنت في هذه الليلة كنت نائمًا ستحزن أم لا؟ ستحزن.
إذًا: لماذا لا تحزن على صلاة الفجر التي هي أهم من ليلة القدر؟ لأن صلاة الفجر فرض وليلة القدر بكاملها سنة، وصلاة الفجر في أي يوم من أيام السنة فرض، ولكن لماذا الناس تتكالب على ليلة القدر فيمتلئ الجامع والشوارع التي حول الجامع، وبعد ذلك سبحان الله تأتي تجد الفجر في غير رمضان صفًا أو صفين لو كثروا؟ لماذا الناس لا تفهم؟ هذا غياب حقيقي للفهم يا إخوان.
يا أخي في الله! ليلة القدر هدية من الله ﷿ لمن حافظ على صلاة الفجر وغيرها من الفروض، العبادة يا إخواني ليست مقامرة، هل يعقل أن أعبد ربنا ﷾ يومًا أو عشرة أيام ويكون لي حسنات كالذي صار له سنة كاملة يستيقظ في عز البرد ومع التعب والشغل لكي يصلي الفجر؟! الخير الثاني في صلاة الفجر، تعلمون أن يوم القيامة ستكون الظلمة فيه شديدة جدًا، والشمس ستكور والنجوم ستنكدر يفه فلا يوجد نور، وبالذات على الصراط، ويحتاج الناس إلى النور للجواز على الصراط، والمرور على الصراط صعب يا إخواني، إذًا: من أين يأتي المؤمنون بالنور يوم القيامة؟ هناك أشياء كثيرة جدًا جدًا عملوها في الدنيا وربنا ﷾ وعدهم بالنور لقاء تلك الأعمال الصالحة التي عملوها في الدنيا، من ذلك: يقول رسول الله ﷺ: (بشر المشائين)، (المشائين) يعني: الذين يمشون كثيرًا جدًا: (بشر المشائين في الظلم)، (الظلم) يعني: في صلاة العشاء وصلاة الفجر: (بشر المشاءين في الظلم إلى المساجد)، يعني: ليس في البيت: (بالنور التام يوم القيامة)، (النور التام) هو النور الذي لا ينزع عند الصراط، لماذا؟ لأنهم نجحوا في اختبار الدنيا، فوقاهم الله ﷿ من السقوط في النار يوم القيامة.
كذلك تجد الرسول ﷺ يعلمك ذكرًا خاصًا تقوله وأنت ذاهب لصلاة الفجر، وأنت تمشي في الظلمة، وأنت تذكر ظلمة يوم القيامة، الرسول ﷺ يعلمك وأنت ذاهب لصلاة الفجر في الظلمة أن تقول: (اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في بصري نورًا، واجعل من خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل من فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، اللهم أعطني نورًا).
أيضًا يوجد خير آخر في صلاة الفجر: وهو وعد صريح بالجنة: (من صلى البردين دخل الجنة)، والبردان: هما الصبح، والعصر.
وهناك أكثر من ذلك، سبحان الله! ماذا يوجد أكثر من الجنة؟ نعم، إنها رؤية الله ﷿ في الجنة، اسمع إلى هذا الحديث في البخاري ومسلم، عن جرير بن عبد الله ﵁ يقول: (كنا جلوسًا عند النبي ﷺ إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم)، انتبه هو يعطيك وسيلة تصل بها إلى هذه الرؤية: (فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) يعني: صلاة الفجر، وصلاة العصر، ولا يزال هناك أناس ينامون في صلاة الفجر، سبحان الله! إذًا: أول خاصية: تعظيم الثواب إلى أقصى درجة لمن حافظ على صلاة الفجر.
1 / 5
عظم وزر تضييع صلاة الفجر في جماعة
الخاصية الثانية: ضياع الفجر، وليس فقط ضياع الأجر، لا، بل ضياع الفجر عذاب شديد، يحكي الرسول ﵊ للصحابة رؤيا، ورؤيا الأنبياء حق، يقول: (إنه أتاني الليلة آتيان)، هناك رواية تبين أنهما جبريل وميكائيل: (وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا - يصف لهم رجلًا يعذب - على رجل مضطجع -رجل نائم- وإذا آخر.
-وفي رواية- ملك قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه)، يعني: يشق رأسه ويشدخه، (فيتدهده الحجر هاهنا) أي يتدحرج إلى بعيد (فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان) يعني: يلتئم الرأس من جديد، (ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى)، فالرسول ﷺ الرسول انزعج انزعاجًا شديدًا، قال: (قلت لهما: سبحان الله! ما هذا؟ قالا لي: انطلق انطلق)، وبعد ذلك مر على مشاهد كثيرة، وفي آخر المطاف فسروا له الذي رآه، فما هي حكاية هذا الرجل؟ (قالا له: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه) يعني: يأخذ حكم الله ﷿ فيرفضه، (وينام عن الصلاة المكتوبة)، نعم هذا موضوعنا: (وينام عن الصلاة المكتوبة)، ما هي الصلاة التي نحن ننام عنها؟ إنها صلاة الفجر يا إخواني! إذًا: العملية ليست عملية ضياع أجر فقط، لا، العملية فيها عقاب وعقاب مريع يا إخواني! نسأل الله العافية.
1 / 6
تعظيم النبي ﷺ لسنة الفجر
الخاصية الثالثة: أن الرسول ﷺ عظم جدًا جدًا من قيمة سنة الصبح، هي الصلاة الوحيدة التي عظم رسول الله ﷺ من سنتها إلى هذه الدرجة، حيث قال: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)، يا الله! قفوا وقفة مع هذا الحديث وفكروا فيه، فما الذي يمنعنا من صلاة الصبح؟ إنه جزء ضئيل ضئيل ضئيل من الدنيا، إما نائم متأخر في أمر من أمور الدنيا، وإما أن تستيقظ بعد صلاة الفجر؛ لأنك مرتبط بأمر من أمور الدنيا، ومع ذلك كل الدنيا من أولها إلى آخرها بما فيها من أموال وكنوز ومناصب وأعمال ومغريات وملهيات كلها لا تصل إلى قيمة ركعتي الفجر، أي: السنة، فما بالكم بالفرض؟!
1 / 7
تفرد صلاة الفجر عن بقية الصلوات بأمور خاصة بها
الخاصية الرابعة: تفرد صلاة الصبح بأمور ليست في بقية الصلوات.
أولًا: أن أذانها مختلف، فبعد حي على الفلاح يزيد المؤذن: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم.
قف يا مؤمن مع هذه العبارة، فما الذي يمنعك من النزول لصلاة الفجر؟ أليس هو لذة النوم وراحة النوم وحلاوة النوم؟! والرسول ﷺ يقول لك بمنتهى الوضوح: (الصلاة خير من النوم)، فهل يا ترى أنت مصدق أم غير مصدق؟ المسألة بوضوح مسألة إيمان.
ثانيًا: صلاة الصبح جعل لها أذكار خاصة بعدها غير ما يؤتى من الأذكار دبر كل صلاة، فأنت خلف كل صلاة تسبح الله ثلاثًا وثلاثين، وتحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وتكبر الله ثلاثًا وثلاثين، وتقول: أستغفر الله، وغير ذلك لكل الصلوات، لكن صلاة الصبح انفردت بأشياء خاصة بها غير الأشياء الأخرى، من ذلك: أن تقول دبر صلاة الفجر وأنت لم تغير هيئة الصلاة تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، ومن قال هذا الكلام يحصل على ستة أمور: الأول: كتبت له عشر حسنات.
الثاني: محيت عنه عشر سيئات.
الثالث: رفعت له عشر درجات.
الرابع: أن يكون يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه.
الخامس: حرس من الشيطان.
السادس: أنه لم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله.
يعني: أي ذنب سيكفره الله له إلا الشرك بالله.
كذلك النساء يأخذن هذا الأجر إذا قلن هذا الذكر بعد الصلاة في أول الوقت في بيوتهن.
1 / 8
تعظيم وقت صلاة الصبح
الخاصية الخامسة: تعظيم وقت صلاة الصبح، وقت الصبح يا إخواني وقت مشهود من الملائكة، فالملائكة تنزل إلى الأرض لتشهد هذه الصلاة الهامة، ورد في البخاري عن أبي هريرة ﵁ وأرضاه يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (تفضل صلاة الجميع -يعني: صلاة الجماعة- صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءًا، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر)، الله الله! التقاء كل الملائكة في صلاة الفجر، ثم يقول أبو هريرة ﵁ وأرضاه: (فاقرءوا إن شئتم: ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء:٧٨]) وفي رواية أخرى عند البخاري يقول ﷺ: (ثم يعرج الذين باتوا فيكم -أي: ملائكة الليل- فيسألهم ربهم -وهو أعلم بهم-: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون) أليس من الأفضل لك أن تذكرك الملائكة عند الله ﷿ بأنك من المصلين، وتشهد لك أنك كنت تصلي الصبح في جماعة؟ أليس هذا أفضل من أن تقول: يا رب أما فلان فكان نائمًا أو غافلًا أو كانت عنده مشاغل أخرى أهم فلم يأت ليصلي صلاة الفجر؟ أليس هو أفضل إذًا: نراجع أنفسنا.
1 / 9
حفظ الله ورعايته لمن يحافظ على صلاة الفجر في جماعة
الخاصية السادسة: أنت إذا صليت الصبح فأنت في حفظ الله ورعايته سائر اليوم، هذا شيء في منتهى الروعة، هل هناك أحسن من هذا؟ تشعر في يومك كله أنك في حماية الله ﷿، يقول ﷺ: (من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله)، يعني: في حماية الله وفي عهد الله وضمانه، تشعر بثقة هائلة أثناء يومك إذا كنت مصليًا للصبح في جماعة، تشعر بثبات أمام المحن والمصائب وأمام الطغاة والجبابرة، كل هذا باستيقاظك لصلاة الصبح، سبحان الله! ركعتين تثبت فيهما صدق القلب وقوة الإيمان.
1 / 10
تحبيب النبي ﷺ لصلاة الصبح بوعظ الناس بعدها
الخاصية السابعة: أنه ﷺ كان يحبب لهم صلاة الصبح بأن يجعل وراءها درسًا أو توضيحًا لمفهوم معين، أو سؤالًا عن أصحابه، أو تفسيرًا لرؤيا، يعني: كان يقيم لقاء علميًا روحيًا إيمانيًا راقيًا جدًا جدًا، يقول العرباض بن سارية ﵁ وأرضاه: (صلى لنا رسول الله ﷺ الفجر، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها العيون، ووجلت منها القلوب)، ثم بدأ يذكر الخطبة المشهورة الطويلة.
الشاهد يا إخواني أن الرسول ﷺ كان يلاطف أصحابه بعد صلاة الصبح ويعلمهم ويفقههم ويشرح لهم، وكل هذه عوامل تشجع من كان في قلبه تردد أن يفوت هذه الصلاة العظيمة: صلاة الصبح.
1 / 11
تحفيز الرسول ﷺ لأصحابه بالبقاء في المسجد بعد صلاة الفجر
الخاصية الثامنة: أن الرسول ﷺ كان يحفز المسلمين على البقاء في المسجد بعد صلاة الصبح، يعني: أن تظل قاعدًا إلى أن تشرق الشمس؛ لعظم أجر هذا الوقت، ويصبح هذا الوقت عبارة عن برنامج تدريبي إيماني عظيم يبدأ به المؤمن يومه، قال رسول الله ﷺ: (من صلى صلاة الغداة في جماعة -يعني: صلاة الصبح، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة).
1 / 12
تكفير ذنوب من أحسن الوضوء والخشوع في صلاة الفجر أو غيرها
الخاصية التاسعة: وسيلة غير مباشرة لكن جميلة جدًا، روى الإمام مسلم عن عثمان بن عفان ﵁ أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله) يلاحظ أن الفترة بين صلاة العشاء وبين صلاة الصبح هي أطول الفترات التي تقع بين الصلوات، وهي الليل كله، وهي نصف اليوم، فإحسان الوضوء صلاة الفجر والخشوع والركوع كل هذه مكفرة لنصف اليوم، وبقية الصلوات مكفرة للنصف الآخر، أو قل تصبح صلاة الصبح مكفرة لنصف العمر لمن حافظ عليها، وبقية الصلوات مكفرة لنصف العمر الآخر، وذلك إذا اجتنبت الكبائر، فضل هائل وقيمة لا تقدر.
1 / 13
وضع الله ﷿ البركة في أول ساعات النهار
الخاصية العاشرة والأخيرة في هذه المحاضرة: أن البركة في البكور، في الساعات الأولى في الصباح بعد صلاة الصبح، فهي أبرك ساعات اليوم كله، روى الترمذي وغيره عن صخر الغامدي ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (اللهم بارك لأمتي في بكورها)، هذه المباركة يا إخواني في كل شيء، في كل الأعمال: في التجارة، في الزراعة، في القراءة، في السفر، في الجهاد في سبيل الله، في أي شيء، وصخر ﵁ الذي روى هذا الحديث استفاد من هذه النصيحة، فقد كان رجلًا تاجرًا، وكان إذا بعث تجارته بعثها في أول النهار، فأثرى ﵁ وكثر ماله، حتى إنه في رواية غير أحمد: (أن صخرًا كثر ماله حتى كان لا يدري أين يضعه).
إذًا: الرسول ﷺ يريدك أن تستيقظ لصلاة الصبح في جماعة، وتقعد تذكر ربنا ﷾ في الوقت الذي ما بين الصبح حتى الشروق، ثم بعد ذلك تشتغل ولا تذهب للنوم، وتأخذ بركة أول اليوم.
فإذا كنت تريد أن يكثر مالك فاستيقظ وصل الفجر وربنا سيبارك لك في مالك إن شاء الله، والرسول ﷺ لما كان يبعث جيشًا كان يبعثه في أول النهار، يقول النعمان بن مقرن ﵁ وأرضاه (كان رسول الله ﷺ إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس -يعني: أمسك عن القتال- فإذا طلعت قاتل)، يعني: كان يقاتل بعد طلوع الشمس في وقت البركة، وكان يقول: (عند ذلك تهيج رياح النصر، ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم).
إذًا: كان ينتظر بعد صلاة الصبح الوقت المبارك.
بهذه الفضائل والخصائص وغيرها أدرك الصالحون قيمة صلاة الصبح فما ضيعوها، وما تخيلوا أصلًا أن يضيعها إنسان، روى الإمام مالك ﵀ في موطئه: أن عمر بن الخطاب ﵁ فقد سليمان بن أبي حثمة -من كبار التابعين- ﵀ في صلاة الصبح، فذهب عمر ﵁ وأرضاه إلى أمه الشفاء أم سليمان ﵂ -وهي من الصحابيات- فقال لها: لم أر سليمان في الصبح؟! قالت: إنه بات يصلي.
يعني: ظل الليل كله يصلي فغلبته عيناه، لم يكن قاعدًا أمام التلفاز يا إخواني، ومع ذلك لم يعذره سيدنا عمر، بل قال: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة بكاملها.
كذلك بيعة عمر بن الخطاب للخلافة كانت في صلاة الصبح؛ لأن الصديق توفي مساءً ودفن مساءً، وفي صلاة الفجر من اليوم الثاني بويع عمر بن الخطاب للخلافة، يعني: كبار رجال الدولة من الأمراء والوزراء وأهل الحل والعقد ومن بيده الأمر كل هؤلاء كانوا يصلون الفجر في جماعة، يأخذوا قرارات في منتهى الخطورة، قرارات مصيرية جدًا في صلاة الصبح، صلاة في منتهى الأهمية.
يروي الإمام مالك في موطئه: أن المسور بن مخرمة ﵄ دخل على عمر بن الخطاب بعدما طعن، يقول المسور: فأيقظت عمر لصلاة الصبح، مع أن عمر بن الخطاب رأس الدولة كان مطعونًا طعنة قاتلة، والظرف صعب جدًا جدًا، لكن صلاة الصبح لا تؤخر يا إخواني، لا يستطيع أن يدعه يصليها بعد الشروق، ماذا قال عمر عندما أيقظه المسور بن مخرمة ﵀؟ قال له: نعم، نعم، أحسنت أنك أيقظتني، ثم قال: ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، ثم قام عمر ﵁ وأرضاه وصلى صلاة الصبح وجرحه يثعب دمًا، ومع ذلك لم يترك صلاة الصبح.
وهذا أنس بن مالك ﵁ وأرضاه كان يبكي بكاءً مرًا كلما تذكر فتح تستر، لماذا يبكي؟! وتستر مدينة فارسية حصينة، حاصرها المسلمون سنة ونصفًا، وبعد حصار لهذه المدينة مدة سنة، ونصف سقطت في أيدي المسلمين، وتحقق لهم فتحًا مبينًا، فإذا كان الوضع بهذه الصورة الجميلة المشرقة، فلماذا يبكي أنس بن مالك ﵁ وأرضاه عندما يتذكر موقعة تستر؟ لقد فتح باب حصن تستر قبيل ساعات الفجر بقليل، وانهمرت الجيوش الإسلامية داخل الحصن ودار قتال رهيب بين ثلاثين ألف مسلم ومائة وخمسين ألف فارسي وكان في منتهى الضراوة؛ لأن كل لحظة في هذا القتال تحمل الموت وتحمل الخطر الكبير على الجيش المسلم، فهم في موقف في منتهى الصعوبة، ولكن في النهاية كتب الله النصر للمؤمنين، وانتصروا على عدوهم بفضل الله، وكان هذا الانتصار بعد لحظات من شروق الشمس، وضاعت صلاة الصبح في ذلك اليوم الرهيب يوم الفتح، لم يستطع المسلمون في هذه المعركة الطاحنة والسيوف على رقابهم أن يصلوا الصبح في ميعاده، ويبكي أنس بن مالك ﵁ وأرضاه لضياع صلاة الصبح مرة واحدة في حياته، مع أن ج
1 / 14
الوسائل المعينة على القيام لصلاة الفجر في جماعة
نريد أن نصلي الفجر في جماعة كل يوم، وهناك وسائل تساعدنا على المحافظة على صلاة الفجر، والابتكار في هذه الوسائل يا إخواني مفتوح، فأي شخص عنده وسيلة توقظ لصلاة الفجر فلينصح بها.
1 / 15
الإخلاص لله تعالى
الوسيلة الأولى: الإخلاص التام لله ﷿، فغير المخلص لله يصعب عليه أن يحافظ على صلاة الفجر، فصلاة الفجر اختبار لاكتشاف المخلصين.
والإخلاص أن تكون مستعدًا لأن تضحي بأي شيء في سبيل أن ترضي ربك ﷾، تضحي بمال، تضحي بجهد، تضحي بعلاقات، تضحي بعمل، تضحي بحياتك كلها لأجل ربك ﷾.
وضياع صلاة الفجر عرض لمرض، والمرض هو أنك جعلت الله ﷿ أهون الناظرين إليك؛ لأنك لم تخلص له، ولم تأبه بشرعه وبأمره، لم تخش تحذيره، لم تتبع قانونه وشرعه، ومن ثم أضعت صلاة الفجر.
فهذه علامة خطيرة على غياب الإخلاص.
1 / 16
العزيمة الصادقة
الوسيلة الثانية: العزيمة الصادقة، عندي قناعة شخصية أن الذي يريد فعلًا أن يستيقظ لصلاة الفجر سيستيقظ فعلًا، لو تشعر فعلًا بقيمة الفجر في جماعة، ستركز كل جهودك حتى تقوم الفجر، يقول ربنا في المنافقين: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ [التوبة:٤٦]، لكن هم لا يريدون، فلأجل ذلك لم يخرجوا، ولو لم توجد عندك عزيمة صادقة فعمرك لن تسمع الأذان: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ﴾ [الأنفال:٢٣]، وحتى يا أخي والله لو سمعت الأذان وأنت ضعيف العزيمة فلن تقوم، لماذا؟ لأن ربنا هو الذي لا يريدك أن تقوم بعزيمة ضعيفة، يقول ربنا عن المنافقين: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ﴾ [التوبة:٤٦]، يعني: أنه لا يريد المتثاقلين الكسالى: ﴿فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ [التوبة:٤٦]، انتبه يا أخي أن تتأثر بكثرة القاعدين المتخلفين عن صلاة الفجر انتبه لا تقارن نفسك بهؤلاء، إنما قارن نفسك بأصحاب رسول الله ﷺ، قارن نفسك بـ عمر، قارن نفسك بـ أنس، قارن نفسك بـ خالد بـ القعقاع بـ يوسف بن تاشفين بـ قطز وغير هؤلاء الكبار، أعل من همتك، وعظم قدوتك، وكبر أهدافك، وضخم طموحاتك، واعمل لنفسك ورد محاسبة خاص بصلاة الفجر فقط، كن جادًا مع نفسك، اجعل ورقة واحدة سجّل فيها أيام الشهر كلها، واليوم الذي تصلي فيه الفجر في جماعة علم أمامه علامة صح، واليوم الذي يفوتك الفجر في جماعة علم أمامه علامة غلط، وانظر آخر الشهر هل حياتك تمشي في المسار الصحيح أم في المسار الخطأ؟ عندها صحح وضعك وصحح أخطاءك.
1 / 17
تجنب الذنوب وتركها
الوسيلة الثالثة: تجنب الذنوب وتركها، وصلاة الفجر هدية من الله ﷿، وهذه الهدية لا تعطى إلا للطائعين، أما القلب الذي أشرب حب المعاصي فكيف يستيقظ لصلاة الفجر؟ والقلب الذي غطته الذنوب كيف يتأثر بحديث يتكلم عن فضل صلاة الفجر؟! أو كيف يسمع لنداء: حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم؟! ضياع الفجر مصيبة، وربنا ﷾ يقول: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى:٣٠]، ابحث في حياتك، ابحث عن ذنوب ما زلت مصرًا عليها، والذنوب قد تكون في عينيك، قد تكون في لسانك، في علاقاتك بالناس، في علاقاتك بأبويك، وذنوب في القلب: كبر، عجب، حسد، غضب، رياء، ابحث ولا تستصغرن ذنبًا من الذنوب، قد يكون هذا هو الذي أقعدك عن صلاة الفجر: (إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه).
وسئل الحسن البصري ﵀: لماذا لا نستطيع أن نقوم الليل؟ يتكلمون عن قيام الليل وليس عن صلاة الصبح، فقال: أقعدتكم ذنوبكم.
فربنا ﷾ يريد الذي يصلي له أن يكون نقيًا طاهرًا تائبًا منيبًا إلى الله ﷿: ﴿يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء:١٧].
نسأل الله ﷿ لنا ولكم المغفرة.
1 / 18
الدعاء
الوسيلة الرابعة: الدعاء، وهو وسيلة في غاية الأهمية، اجعل لنفسك وردًا يوميًا تدعو الله فيه بإخلاص أن يمن عليك بالقيام لصلاة الفجر في جماعة، لا تستهين بهذه الوسيلة العظيمة، من الذي يوقظنا للفجر أو لغيره من؟ إنه ربنا ﷾، بل قل: من الذي يبعثك من نومك؟ والنوم هو نوع من الموت، واليقظة كالبعث، يقول الله ﷿: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ﴾ [الزمر:٤٢]، يعني: من لا تعود نفسه مرة أخرى إليه مات، ﴿وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الزمر:٤٢].
إذًا: ندعو ربنا ﷾ الذي يمسك بأرواحنا أن يرسلها للقيام لصلاة الفجر أو قبل صلاة الفجر.
هذه الوسائل الأربع من أهم الوسائل ما ينفع للمسلم تركهن: الإخلاص، العزيمة، التوبة إلى الله ﷿، الدعاء، هذه وسائل ينبغي الجمع بينها، ما ينفع أن تأخذ واحدة منها وتدع الباقي.
1 / 19
الصحبة الصالحة
الوسيلة الخامسة: الصحبة الصالحة، أيضًا هذه وسيلة في غاية الأهمية، قيام الإنسان بالطاعة منفردًا فيه صعوبة، لذلك يقول الرسول ﷺ: (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد)، هذا كلام في منتهى الوضوح، فانظر من هم أصحابك؟ هل يذكرونك بصلاة الفجر؟ هل يذكرونك بالقرآن؟ هل يذكرونك بغض البصر؟ هل يذكرونك ببر الوالدين؟ هل يذكرونك بربنا ﷾ وإلا فليس هؤلاء بأصحابك، لو كان ليس لهم هم غير اللهو واللعب وتضييع الوقت، وعمل المعاصي والذنوب، فانقذ نفسك منهم، وقبل ذلك حاول أن تدعوهم إلى الله ﷿، وإلا فانج بنفسك وابحث عن صحبة صالحة، وكن متذكرًا قوله ﷺ: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).
1 / 20