فضل الإنكار على السلاطين والأمراء العصاة الظلمة ووجوبه
قال النبي ﵊: (أفضل الجهاد كلمة حق).
وفي رواية: (كلمة عدل عند سلطان جائر).
أفضل الجهاد كلمة عدل وحق في وجه سلطان جائر، ليس بعيدًا عنه، وإنما في وجهه مباشرة، حتى يعلم أنه جائر وظالم، فإما أن يغير، وإما كما في حديث عبادة: (إلا أن نرى كفرًا بواحًا لنا فيه من الله برهان).
وهذا النبي ﵊ جعل مواجهة الحاكم، وذكر عيوبه في وجهه مباشرة إذا كان معاندًا أو مصرًا، جعل ذلك من أفضل مراتب الجهاد عند الله، قال: (أفضل الجهاد عند الله كلمة عدل) أي: يقوم بها رجل عالم مخلص في وجه سلطان جائر، ووصفه بالجور والظلم والخيانة.
قال الحسن البصري: دخل عائذ بن عمرو على عبيد الله وهو أمير فقال عائذ لـ عبيد الله: سمعت النبي ﷺ يقول: (إن شر الرعاء الحطمة) الرعاء جمع: راع، والراعي: هو الحاكم والسلطان والأمير والرئيس والقائد والملك وغير ذلك من هذه التسميات، فقال: (إن شر الرعاء الحطمة) أي: الذين يحطمون شعوبهم حطمًا، ويهلكونهم إهلاكًا، ويفسدونهم إفسادًا، ولا يجدون بابًا من أبواب الشر إلا وسعوا فيه، ولا بابًا من أبواب الخير إلا وأغلقوه أمامهم.
قال: وإياك أن تكون منهم فقال عبيد الله لـ عائذ ﵁: اجلس.
فإنك من نخالة أصحاب محمد ﷺ، فقال له: ليس في أصحاب النبي ﷺ نخالة، وإنما النخالة فيمن أتى بعدهم.
عائذ صحابي، ولكن عبيد الله أمير بإمكانه أن يبطش به، كما بطش سلفه الحجاج بن يوسف الثقفي بكثير من أصحاب النبي ﵊، ولكنه ما خشي بطش عبيد الله، وإنما قال له: (ليس في أصحاب النبي ﷺ نخالة، إنما النخالة فيمن أتى بعدهم).
أي: النخالة فيكم أنتم معشر الحكام والأمراء والسلاطين الذين أتيتم بعد أصحاب النبي ﵊، قطعت ألسنتكم وفسدت قلوبكم أن تتكلموا في صاحب من أصحابه ﵊، ورضي الله عن أصحابه أجمعين.
انظروا إلى هذا العملاق من أصحاب النبي ﵊ يدافع عن أمر يعتقد أن الشرع قد أوجبه عليه! فلا تستهزئوا بأصحاب النبي ﵊، وبأهل العلم وبالدعاة إلى الله، وبطلاب العلم، وتصفونهم بشتى أنواع الدعاوى.
ولنا في رسول الله ﵊ الأسوة والقدوة، وقد قالوا عنه: مجنون وساحر، فليصبر الدعاة وطلاب العلم والعلماء صبرًا جميلًا، فإن الله ﵎ أعد للصابرين جزاء صبرهم، ولقاء جلدهم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، في جنة عرضها السماوات والأرض.
قال النبي ﵊ في حديث أبي بكر الصديق ﵁ لما تلا قول الله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة:١٠٥].
كثير من الناس يقرأ هذه الآية ويقول: إذا فسد المجتمع فلا علاقة لي به، علي بنفسي كما هو ظاهر الآية، فأنا رجل مهتد، وهؤلاء القوم قد ضلوا، فلا علاقة لي بهم عليَّ بنفسي، وربما يكون هذا هو ظاهر الآية، فبين النبي ﵊ في حديث أبي بكر المعنى فقال: (يا معشر الناس! إنكم تقرءون هذه الآية فتفهمونها على غير وجهها -أي: تفهمونها فهمًا مغلوطًا غير صحيح- وإني سمعت النبي ﵊ يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعذاب من عنده).
هذا معنى الآية.
ومعنى الهداية: أن تأخذ على يد الظالم أو الباغي أو المنحرف إما باليد، أو اللسان، أو القلب، وإلا فإن الله تعالى يعمك معه بعذاب بئيس من السماء، وهذا واجب عظيم من واجبات الشرع كلفنا الله ﵎ به.
ولا يمكن لهؤلاء الذين يهيمون على وجوههم أن يدخلوا هذا المسجد إلا بجهدي وجهدك، وقولي وقولك، ورغبتي وإياك له، وإن كان صاحب معصية فإياك أن تظن أنه من أهل النار وأنت من أهل الجنة؛ لكونك تصوم وتصلي، وتحج وتعتمر، وتؤدي الزكاة المفروضة، احذر من هذا، فإن دين الله ﵎ ليس هذا فحسب، فالله ﵎ لما قال: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمران:١٩]، أراد بالدين العقيدة الصحيحة التي تبعث على إتيان جميع الشرائع، وتحليل الحلال، وتحريم الحرام، والانتهاء عنه، وإتيان الأمر.
أسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال والأقوال.
6 / 8