دلالة عقوبات الحدود على حكمة الله تعالى البالغة
فهذه العقوبات إنما دلت على عدل الله ﷿ وحكمته؛ لأن بعض الناس يقول: ليس من الحكمة ولا من العدل أن تقطع يد السارق، أو يضرب الزاني مائة جلدة، أو يرجم حتى الموت، إن هذه وحشية أتى بها الإسلام.
وهذه فضلًا عن أنها قولة كفر إلا أن الواحد منهم لو أنه رأى واحدًا فوق امرأته، أو سرق ماله لأخرج سيفه، أو مسدسه من جيبه، وأطلق النار عليه، وربما يطلق النار على كل من ظن أنه قد سرق دون أن يتحقق من السارق.
فلماذا في هذا الموقف ليس عمله وحشيًا، والذي أتى به الإسلام هو الوحشي، والله ﵎ يقول: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:١٧٩].
(ولكم في القصاص) مع أنه الموت، فقد أثبت الله ﵎ أن فيه الحياة كل الحياة؛ لأن أحدًا لو قتل أباك فأنت لا تقنع قط إلا أن تقتل من أسرة القاتل مائة شخص، أنت لا تقنع إلا بإبادة الأسرة وأصحاب القبيلة كلها، ولكن الله ﷿ لم يجعل ذلك لك، بينما جعله للحاكم بأن يأخذ القاتل أو القاتلة فقط فيقتله في مقابل قتله لوالدك.
فإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن نقول: إن تنظيم أمور القصاص فيه توفير الحياة المستقرة الدائمة بين الناس، فمن قتل يقتل ولا يقتل غيره، ولذلك خاصة هذا الأمر يظهر في أن واحدًا لو قتل آخر من أسرة أخرى لا يبحثون عن القاتل، وإنما يبحثون عن أعظم رجل في أسرة القاتل، عن أعظم رجل الذي إذا قتل أوجعهم وأضرهم، وهذا على خلاف قانون الله ﷿؛ لأن القاتل هو الذي يقتل فقط.
فقول الله ﷿: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة:١٧٩].
لا بد وأننا نقتنع ونعتقد أننا لو صرنا بمنهج الله ﷿ لا بد وأن نحيا حياة كريمة، فلا يتصور أن يسكر فلان، وأن نعاقب فلانًا آخر، أو أن يزني فلان وأن يرد على زناه بزنا، فإن هذه فوضى، فهل يتصور أن رجلًا زنى بأخت رجل آخر، أو بأمه، أو بامرأته، فهل يقول: أنا لا أقتله، وإنما آخذ حقي بنفسي، وهو أني أزني بامرأته كما زنى بامرأتي، أو أزني بأمه كما زنى بأمي؟! هذه فوضى، وأما الإسلام فإنه جعل حدًا لا يزيد ولا ينقص لمن وقع في مثل هذه الفاحشة، ومن وقع في مثل هذا الجرم، فوجب اتباع كتاب الله وسنة رسوله ﵊ في تلك الحدود، وهذه العقوبات بجانب كونها محققة للمصالح العامة، وحافظة للأمن العام، فهي عقوبات عادلة غاية العدل، إذ إن الزنا جريمة من أفحش الجرائم وأبشعها، وعدوان على الخلق والشرف والكرامة، ومقوض لنظام الأسرة والبيوت، ومروج للكثير من الشرور والمفاسد التي تقضي على مقومات الأفراد والجماعات، وتذهب بكيان الأمة، ومع ذلك فقد احتاط الإسلام في إثبات هذه الجريمة فاشترط شروطًا لا يقام الحد إلا من خلالها.
وعلى أية حال: فإن الإسلام قد جعل حدودًا وتعزيرات وقصاصًا.
فأما القصاص فإنه حق الأفراد فإن شاءوا عفوا، وإن شاءوا أخذوا حقهم.
وأما التعزير فكل جرم ليس فيه حد ففيه التعزير.
2 / 7