عقيدة التوحيد في القرآن الكريم
الناشر
مكتبة دار الزمان
الإصدار
الأولى ١٤٠٥هـ
سنة النشر
١٩٨٥م
تصانيف
وهم أنفسهم أكمل من هذا العجل لأنهم يتكلمون ويعبرون عما يريدون وأما عجلهم فليس له إلا الخوار ولكن جهلهم وضلالهم غطى على بصائرهم.
يقول الطبري: "يخبر جل ذكره أنهم ضلوا بما لا يضل بمثله أهل العقل، وذلك أن الرب ﷻ الذي له ملك السماوات والأرض ومدبر ذلك لا يجوز أن يكون جسدًا له خوار لا يكلم أحدًا ولا يرشد إلى خير"١.
وهذا إبراهيم الخليل ﵇ يوجه أنظار قومه وهو يجادلهم إلى أن هذه الأصنام التي يعبدونها لا تنطق فكيف تستحق العبادة؟ بل إن إبراهيم قد أخذ إقرارهم على أنفسهم من أنفسهم باعترافهم أن أصنامهم ناقصة لا تنطق، قال تعالى: ﴿قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ، فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ، ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ، قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ، أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾
٢، فعندما قال لهم إبراهيم ﵇ ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ﴾ رجعوا إلى عقولهم ونظر بعضهم إلى بعض وغلبوا في الحجة؛ لأنهم احتجوا على إبراهيم بما هو حجة له عليهم حيث قالوا: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ﴾ فآلهتهم لا تتكلم حتى تخبرهم عمن كسرها، فلما ظهرت الحجة لإبراهيم بدأ بذمهم وذم أصنامهم قائلًا: ﴿أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ، أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ إذ لو كانت لهم عقول سليمة لعلموا أن الإله الذي لا يحمي نفسه ممن كسره وأهانه ولا ينطق فيخبر عمن فعل به ذلك، فهو عاجز عن نفع غيره أو ضره وعن حماية عابده من باب أولى،
ومن كان هذا شأنه لا يستحق العبادة، يقول الزمخشري:
١ تفسير الطبري ٩/٦٢ وانظر ١٦/١٩٧ وتفسير ابن كثير ٢/٢٤٧ و٣/١٦٢.
٢ سورة الأنبياء آية ٦٢-٦٧.
1 / 293