129

عقيدة التوحيد في القرآن الكريم

الناشر

مكتبة دار الزمان

رقم الإصدار

الأولى ١٤٠٥هـ

سنة النشر

١٩٨٥م

تصانيف

وكذلك لما أقسم ﷾ على الوحدانية في سورة الصافات، أتبع هذا القسم بذكر ربوبيته تعالى للسموات والأرض ومشارقها فقال تعالى: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا، فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا، فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا، إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ، رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾ ١. يقول ابن القيم: فإن الإقسام كالدليل والآية على صحة ما أقسم عليه من التوحيد.. وأقسم سبحانه بذلك على توحيد ربوبيته وإلهيته وقرر توحيد ربوبيته فقال: ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ، رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾ من أعظم الأدلة على أنه إله واحد ولو كان معه إله آخر لكان الإله مشاركًا له في ربوبيته كما شاركه في إلهيته، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، وهذه قاعدة القرآن يقرر توحيد الإلهية بتوحيد الربوبية، فيقرر كونه معبودًا واحدًا بكونه خالقًا ورازقًا وحده"٢ انتهى باختصار.

١ سورة الصافات آية ١-٥. ٢ التبيان لابن القيم ص٣٠٩.

الشبهة على هذا الدليل: ويورد الملحدون شبهًا على هذا الدليل أعظمها شبهة الطبيعة، وملخص هذه الشبهة: أننا إذا سألنا الطبيعيين عمن خلق الكون بما فيه، فالجواب عندهم: الطبيعة، فالطبيعة هي التي خلقت الكون بما فيه من سماوات وأرضين وشمس وقمر ونجوم وبحار وإنسان وحيوان وغير ذلك. الرد على هذه الشبهة: للرد على شبهة الطبيعيين نسألهم: ماذا تعنون بكلمة الطبيعة؟ هل تعنون بها ذات الأشياء أو صفاتها؟ فإن عنوا بالطبيعة ذات الأشياء فيكون على قولهم كل شيء خلق نفسه، فالسماء خلقت السماء، والأرض خلقت الأرض، فيصبح كل شيء هو الخالق والمخلوق بنفس اللحظة، وبما أن المخلوق مفتقر إلى الخالق فيكون هذا الشيء مفتقرًا

1 / 144