فإن قال قائل: لم لم يجز هذا ؟ قيل له: لأن معنى "وكيل علينا" قد بينا وجه جوازه، ومعنى "وكيل لنا" غير معنى "وكيل علينا "، وذلك أن من كان وكيلا لنا لإقامتنا إياه في ذلك، ولأنه قام به بأمرنا، فلما لم يجز أن يكون الله تعالى وكيلا بأمر من خلقه لم يجز أن يقال: إنه وكيل لهم، وإنما يصح أن يقال: إنه وكيل عليهم، كما قال الله تعالى: {والله على كل شيء وكيل} (¬1) .
فإن قال: أفتزعمون أنكم تكونون وكلاء عليه كما تكونون متوكلين عليه؟ قيل له: لا؛ لأن الوكيل ليس معناه التوكل؛ لأن مصدر الوكيل الوكالة بمعنى: الولاية، والوكيل هو خلاف ذلك، والمعنى: فنحن نتوكل عليه ونعتمد عليه، ومعنى ذلك واحد، وليس ذلك من معنى الوكالة في شيء؛ فلهذا لا يجوز أن يوصف تعالى بأنه متوكل علينا، وصح له الوصف بأنه وكيل علينا.
والقول بأنا نعتمد عليه ونركن إليه هو توسع؛ لأن أصل الاعتماد هو اعتماد الرجل على ما يعتمد عليه من شيء إذا مشى أو قام، فجعلوا هذا المعنى في معنى التوكل توسعا؛ ولهذا سموا بعض الخلفاء بالمعتمد على الله (¬2) .
وكذلك الركون أصله من الاعتماد، ويستعملان في الله تعالى مجازا على ما بينا.
فصل [وصف الله تعالى بأنه كفيل وراع وحارس ووحيد وفريد]
ويقال: إنه تعالى كفيل، ومعناه أنه كفل لعباده أنه ثبتهم (¬3) على طاعته، ومعنى أنه كفل بذلك أنه ضمنه، والكفالة هي (¬4) الضمان.
صفحة ٣٤