فإن قال: أفتزعمون أن الله تعالى يكلف عباده طاعته على الحقيقة؟ قيل له: نعم. فإن قال: أفليس المكلف منا في الشاهد إنما يكلف غيره حاجته ؟ قيل له: قد يجوز أن يكلف أحدنا غيره حوائجه التي يحتاج إليها، وقد يجوز أن يكلفه أيضا فعل ما يحتاج إليه المكلف وإن يكن للمكلف في ذلك حاجة؛ لأن التكليف في الأصل إنما هو تحميل الإنسان العمل الذي يلزمه إياه، فإذا ألزمه ما يحتاج إليه الآمر منا فقد كلفه ما يحتاج إليه، وإذا ألزمه ما يحتاج إليه المأمور دون الآمر فقد كلفه ذلك وإن لم يكن للآمر إليه حاجة. فلما كان الله عز وجل غنيا عن الأشياء كلها كان تكليفه العباد طاعته لحاجتهم إلى ذلك ولانتفاعهم به، لا لحاجته هو إليه ولا لمنفعة تناله منه. وقد مر شيء من هذا في باب التكليف.
فصل [نصر الله تعالى للمؤمنين وهدايتهم] :
ويقال: إن الله تعالى ناصر المؤمنين، ومعنى ذلك دفعه المكاره والشدائد والهوان عنهم، ليعزهم بذلك ويكرمهم، وهذا هو النصرة المعقولة بيننا في الشاهد. ويقال: إنه تعالى يخذل الكفار والفساق، ومعنى ذلك /15/ ضد النصرة، وهو أن لا ينجيهم من الهوان (¬1) والشدائد، وأن يفعل بهم ما يبقون معه في الشدائد والهوان.
ويقال: إن الله تعالى يهدي المؤمنين، والهدى على ثلاثة أوجه:
- فوجه منه هو الدلالة؛ لأن كل دلالة إلى شيء فهي هدى إليه في اللغة، فهذا الهدى قد هدى الله تعالى به المؤمنين والكافرين جميعا إلى الدين؛ لأنه قد دلهم جميعا على الدين.
- ووجه آخر هو الإيمان؛ لأن الإيمان هو هدى من الله تعالى، كما أنه نعمة من الله.
صفحة ٢٥