ديوان المعاني
الناشر
دار الجيل
مكان النشر
بيروت
لأن الشجاع لا يمدح نفسه بالفرار سيما باللفظ البليغ من فرور. وليس كذلك لأن قوله (كل ما ذلك مني خلق) على أنه ذكر حال فرار وحال ثبات فحال الثبات قوله (ولقد أجمع رجلي بها) والحال الأخرى حال للفرار إذا كان ذلك أحزم ولو ذكرنا حالا واحدة لم يحسن أن يقول كل ماء لك مني خلق وإنما دل على أصالته وعقله في ثباته وقت الثبات وفراره ساعة الفرار وليس الشجاعة أن يحمل الرجل نفسه على الهلكة إنما ذلك هوج والشجاعة أن يتقدم وغالب ظنه أن يظفر فأما أنه إذا علم أنه إذا أقدم هلك ثم أقدم فإن ذلك جنون لأن كل أحد يقدر أن يقدم على الهلكة فيهلك وإنما الشأن في أن يحمد غب إقدامه وفي قريب من ذلك قوله:
(فجاشت إلىَ النفسُ أولَ مرة ... فُردت على مكروهها فاستقرتِ)
فما جاشت نفسه إلا وجبن، ولو وصف عمرو هذه الأشياء من نفسه قيل إنه ممن يصدق عن نفسه، على أنه ربما كذب الكذبة الصلعاء روى لنا أبو أحمد عن العبشمي عن المبرد وعن غيره قال وقف عمرو بن معدي كرب وخالد بن الصقعب النهدي في جماعة بالكناسه يتحدثون فقال عمرو أغرنا مرة على بني نهد فخرجوا مسترعفين بخالد بن الصعقب فحملت عليه فطعنته فأرديته ثم ملت عليه بالصمصامة فأخذت رأسه فقال خالد حلًا أبا ثور فان قتيلك هو المحدث فقال عمرو يا هذا إذا حدثت بحديث فاسمع فانما نرهب هؤلاء المعدية. مسترعفين أي متقدمين، وقوله حلا أبا ثور أي قل إن شاء الله ويقال حلف ولم يتحلل أي لم يستثن. ويروى عن العرب كذب كثير فمن ذلك ما يزعمون أنهم يرون الجن ويكلمون الغيلان والسَعالي حتى زعم تأبط شرًا انه طلب نكاح السعلاة في قوله:
(وادهمَ جبت حلبابه ... فيا جارتا أنت ما أهولا)
(فطالبتها بعضها فانثنت ... بوجه تهوّل واستغولا)
1 / 112