Albert Le Grand
ولد ألبرت الكبير سنة 1193 من أبوين فقيرين في بلدة لوينجن في ألمانيا، وتوفي سنة 1280، وكان فقيرا يتطفل على موائد أهل كرم، ويستعين بما يصيبه منهم على الدراسة، غير أن إعراض قومه في ذلك العهد عن العلم وكل ما يتصل به لم يتح له نيل القوت الضروري، بيد أن البؤس الذي كان يلازمه لم يمنعه من الإقدام على تحصيل العلم؛ فدخل أولا مدرسة بادوا بإيطاليا؛ ونظرا لآرائه الخاصة، ولعلائم النبوغ التي كانت تبدو عليه، لم يوفق إلى الإقامة في المدرسة المذكورة؛ فغادرها، ثم جعل قبلته شطر ألمانيا، وهناك التحق بدير الرهبان الدومينيكان بمدينة كولونيا، ثم في ريجينز برج، وأخيرا اشتراسبرج، وقد كان في كل دور من أدوار صباه مثال الجد والنشاط، ولم تكن دائرة العلم التي حصر حياته فيها تساعده على تغذية فكره بما انطبع عليه من الحرية المطلقة؛ فترك اشتراسبرج وذهب إلى باريس موطن النبوغ العلمي والآراء الحرة، وكانت تضم في ذلك الوقت كثيرا من العلماء النابهين، ولما تخرج من مدرسة باريس، وفاق أقرانه، وذاع صيته في الفلسفة وعلوم الدين، استدعي إلى ألمانيا، ورشح لمنصب أسقف سنة 1260؛ فتوجه إلى منصبه في ريجينز برج، وقام على إرشاد قومه ووعظهم مدة غير قليلة، حتى ترك منصبه وذهب إلى بولونيا، ليشتغل بالدرس بعيدا عن الناس، وقد أدهش جميع معاصريه بسعة مداركه وسمو آرائه ومعلوماته، لا سيما في الكيميا والعلوم الميكانيكية؛ حتى إنهم لقبوه دكتورا عاما
Doctor universalis ، ويدلنا على رغبته في نشر آرائه، وتعميمها بين العالم أنه جمع كل مخطوطات أرسطو، والمباحث الموضوعة في كتب التفاسير البيزانتينية واليهودية والعربية، وكان يقتبس من كتب الفارابي، وابن سينا، والغزالي؛ فكانت آراؤه التي أظهرها في كتبه الفلسفية مطابقة تماما لآراء أرسطو، ويمكننا أن نعتبره رسول هذا الفيلسوف الكبير في ذلك الوقت، وكان كتابه المسمى
Compendium theologicae veritatis
والمطبوع أولا سنة 1473 منتشرا جدا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، في مجلدات كثيرة.
Albertus Magnus.
على أن الآباء المرسلين المبشرين لم تظهر آثار مجهوداتهم إلا في القرن السادس عشر بعد الميلاد، ومن ذلك الوقت أخذ نبوغ ألبرت يتجلى بأكبر مظاهره، فلما اتسعت دائرة المعارف شرع المبشرون في إدخال لغات أخرى إلى ميدان أبحاثهم، وقد كان لليهود فضل يشكر في نشر الكتب العربية، ويليهم بعد ذلك مسلمو المغاربة الذين تنصروا بحكم سيطرة الدول الأوروبية.
ومما هو جدير بالذكر، أن همة المغاربة كانت من البواعث الرئيسية على تطرق فلسفة العرب إلى أسلوب المنشآت المستعملة في الكنيسة الكاثوليكية من سنة 1130 إلى سنة 1150؛ إذ حورت تقاليد الدراسة الدينية التي روعيت فيها النظم العتيقة المعارضة للنهضة العلمية القائمة بأوروبا قبل القرن الثاني عشر، وقد برزت فلسفة أرسطو على الآراء وطرق التفكير العتيقة؛ فكشفت الغوامض وفسرت المعضلات التي لوحظت إذ ذاك في الكتب المسيحية.
وهكذا انتشرت آراء أرسطو في أوروبا بواسطة اختلاط الإفرنج بالعرب في الأندلس وصقلية، وكان هذا أول العهد بالدعوى إلى اقتباس أساليب التعليم على الطريقة الفلسفية؛ لوضوحها وسهولة إدراك أسراراها. ولما كانت العلوم العربية المترجمة عن كتب أرسطو وغيره كافية للتعبير عن الضمير وحل المعضلات، اهتم الأوروبيون بفلسفة أرسطو سعيا وراء الحقائق؛ وبذلك حلوا ألغاز ومعميات كتبهم التي رسخت في عقول المتدينين والمتعصبين، وهذا هو السر في اضطرار الرهبان إلى دراسة اللغة العربية؛ كي يستطيعوا القيام بأداء المهمة الملقاة على عواتقهم، وكي يحوزوا ألقاب «مستشرقين»، وبالرغم من ذلك لم تكن التراجم اللاتينية من الكتب العربية ذات أهمية، خاصة في ذلك العهد، حتى ولد سنة 1114 جيرارده كريمون
Gérard de Crémon
صفحة غير معروفة