دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية

عباس محمود العقاد ت. 1383 هجري
51

دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية

تصانيف

ولما نشأت الفلسفة الحديثة كان إمامها «ديكرت» وسطا بين تقديس الحس وتدنيسه، أو بين الاعتماد عليه كل الاعتماد وإسقاطه كل الإسقاط، فهو لا ينكر أن الحس يتأدى بنا إلى المعرفة في بعض الأحيان، ولا يقول بأنه هو سبيل المعرفة الوحيد، كما يقول الحسيون التجريبيون، فهناك حس صادق وحس واهم، والتمييز بينهما لا يرجع إلى مقاييس الحس نفسه، بل إلى مقاييس الحقائق الرياضية التي أثبتها الله في عقل الإنسان، فإذا جلست أمام الموقد فقد تكون جالسا هناك حقا، وقد تكون في حلم يخيل إليك أنك جالس هناك، والعقل بمقاييسه الرياضية هو الذي يميز بين الحسين.

وجملة ما يؤخذ من هذا الرأي أنه رأي سلبي في النظر إلى قيمة الفنون، وغاية ما ينتهي إليه أنه لا مانع من تمثيل المعرفة أو الحقيقة في آيات الفن الجميل.

ثم راجت مدرسة الحس والمعرفة التجريبية، واقترن رواجها بالرجعة إلى المدرسة السلفية، أي: بالرجعة إلى مقاييس الفنون كما كانت في عهد اليونان واللاتين الأقدمين، فقامت فلسفة الجمال كلها - أو كادت تقوم كلها - على المقاييس الحسية، وظهر اسم «الأيستتك

Oesthetics » بمعنى فلسفة الجمال لأول مرة حوالي هذه الفترة، وكان صائغ هذه الكلمة بومجارتن

Baumgarten

ينشر مذهبه في ألمانيا، ويعاصره أدمند برك

Burke

بآراء في الجمال والجلال تتلاقى معه في شيء واحد، وهو الرجوع إلى المشاهدات والمحسوسات وتوخي الدراسات العلمية في تقرير القواعد وتعميم الأحكام.

وجاء رد الفعل المنتظر بعد كل حركة تتمادى إلى نهايتها، فأخذ الفلاسفة ينقصون من سلطان الحس ويلوذون بعض اللواذ بإلهام البداهة وإيحاء الضمير.

وطليعة هذه الحركة فيلسوفان عظيمان من أعظم الفلاسفة الألمان في القرن التاسع عشر، وهما: «كانت» و«هيجل».

صفحة غير معروفة