ولهذه الأسباب كانوا يتهمون - من وقت إلى آخر - بعض النساء بعمل السحر، وبعضهن بالاستسلام إلى السحرة والاتفاق مع الشياطين، فكانوا يحاكمونهن كما يحاكمون المجرمين والجناة، وإذا ثبتت إدانتهن - لوجود بعض العلامات الخاصة - كانوا يعدمونهن بإحراقهن بالنار؛ لتخليص النار من شرورهن وشرور الشياطين الذين تملكوهن!
وكان الملوك والباباوات يشتركون مع الناس في هذه الاعتقادات، ويتخذون شتى التدابير لمكافحة السحرة والساحرات.
إن حوادث «إحراق السحرة» بدأت في «نوفار» سنة 1357، غير أنها كثرت بوجه خاص بعد المرسوم الذي أصدره البابا غريغوريوس التاسع سنة 1374؛ لقد أمر البابا المشار إليه بمرسومه هذا استعمال الشدة والصرامة في تحري السحرة ومعاقبتهم؛ ولذلك تم إحراق 500 ساحرة خلال ثلاثة أشهر في جنيف، كما تم إحراق 800 من الأشخاص المتهمين بالسحر خلال المدة المذكورة في مقاطعة صافو وحدها، ويقدر المؤرخون عدد الأشخاص الذين أحرقوا بتهمة السحر خلال قرن واحد لا يقل عن ثلاثين ألفا، وأما عدد الذين حوكموا من جراء تهم السحر حتى بداية القرن الثامن عشر فقد بلغ المليون.
يظهر من ذلك أن وقائع إحراق السحرة لم تنقطع بانتهاء القرون الوسطى، بل استمرت بشدة خلال القرن السادس عشر، كما أنها حدثت من حين إلى حين خلال القرن السابع عشر، حتى إن التاريخ يسجل عدة قضايا من هذا القبيل، حدثت خلال النصف الأول من القرن الثامن عشر أيضا.
ففي سنة 1750 حاكم بارلمان بروفانس في فرنسا راهبا يدعى جيرار بتهمة السحر، والراهب المذكور لم ينج من الإحراق إلا لانقسام آراء القضاة إلى قسمين متساويين.
ولكن في السنة نفسها اتهمت الراهبة ماريا بندا بالسحر؛ فجز رأسها وأحرق بدنها؛ تنفيذا للقرار الذي صدر بشأنها بعد محاكمتها.
هذا وقد حدثت عدة وقائع أدت إلى قتل الأشخاص المتهمين بالسحر بلا محاكمة رسمية بعد التاريخ الآنف الذكر أيضا؛ يذكرون مثلا أن صيادي الأسماك في جزيرة هيلا قتلوا امرأة متهمة بالسحر بإلقائها في لجة البحر؛ لمعرفة ما إذا كانت بريئة أم مجرمة، وذلك سنة 1836.
ومما يستلفت النظر بوجه خاص أن عدة مؤلفين أقدموا على تأليف الكتب المفصلة في السحرة والشياطين.
إن أهم وأشهر هذه المؤلفات هو الكتاب الذي نشره «اسبرنجر»
Sprenger
صفحة غير معروفة