226

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

تصانيف

طبائع الأمم وسجاياها

1

كل من يشاهد أفرادا من أمم مختلفة، ويلاحظ أفعالهم وحركاتهم ولو بصورة سطحية؛ يضطر إلى القول إن الأمم يختلف بعضها عن بعض ببعض الطبائع والسجايا، وإذا كان ممن يتشوقون إلى معرفة العلل والأسباب، يرى من الضروري أن يتساءل: لماذا تختلف الأمم بعضها عن بعض على هذه الصورة؟ كيف تتكون طبائع الأمم وسجاياها؟ ما هي أنواع العوامل التي تؤثر في تكوين طبائع الأمم والسجايا؟ وما هو أهم هذه العوامل؟

إن أمثال هذه الأسئلة قامت في أذهان الكثيرين من المفكرين منذ أقدم أزمنة التفكير، وحملتهم على القول بآراء متنوعة، ومذاهب مختلفة في هذا الصدد. (1)

إن أقدم هذه الآراء والمذاهب يستند إلى فكرة «الخلقة والفطرة»؛ إن طبائع الأمم وسجاياها من الأمور الفطرية التي تحدث بطبيعتها، فكل أمة مجبولة على بعض الطبائع الخاصة بها، ومفطورة على بعض السجايا المميزة لها، فاختلاف الأمم في الطبائع والسجايا، إنما هو نتيجة طبيعية لاختلافها في الخلقة والفطرة.

هذه النظرية الابتدائية عندما توسعت بعض التوسع، واصطبغت بصبغة علمية - نوعا ما - ولدت نظرية «العروق (الرسوس) البشرية»

Races ، و«الفروق العرقية (الرسية)»

Racial .

وهذه النظرية تتلخص بما يلي؛ ينقسم النوع البشري إلى عروق (رسوس) مختلفة، يمتاز كل عرق (رس) منها ببعض الخصائص الثابتة، وهذه الخصائص تنتقل من الآباء إلى الأولاد عن طريق الوراثة بواسطة الدم؛ ولهذا السبب نجد أن تلك الخصائص تشمل الأمة بأسرها، وتتجلى في جميع أفرادها. (2)

غير أن تواريخ الأمم وعنعناتها تدل على أن بعض الأمم تنحدر من أصل واحد، ومع هذا نجد أن هذه الأمم أيضا يختلف بعضها عن بعض ببعض الخصائص والفروق، على الرغم من أنها تنحدر من أصل واحد.

صفحة غير معروفة