نحن إذن بحاجة إلى التشمير عن ساعد الجد؛ للوصول إلى لب الحقيقة من وراء هذه القشرة، ولالتماس شيء من الوحدة في ثنايا هذه الكثرة.
والواقع أننا إذا نظرنا في اشتقاق هذه الكلمة ووجوه تصريفها نرى من وراء هذا الاختلاف الظاهر تقاربا شديدا، بل صلة تامة في جوهر المعنى؛ إذ نجد أن هذه المعاني الكثيرة تعود في نهاية الأمر إلى ثلاثة معان تكاد تكون متلازمة بل نجد أن التفاوت اليسير بين هذه المعاني الثلاثة مرده في الحقيقة إلى أن الكلمة التي يراد شرحها ليست كلمة واحدة، بل ثلاث كلمات، أو - بعبارة أدق - أنها تتضمن ثلاثة أفعال بالتناوب.
بيانه أن كلمة «الدين» تؤخذ تارة من فعل متعد بنفسه: «دانه يدينه»، وتارة من فعل متعد باللام: «دان له» وتارة من فعل متعد بالباء: «دان به» وباختلاف الاشتقاق تختلف الصورة المعنوية التي تعطيها الصيغة.
الفصل الثاني
المعنى العرفي
(1) نماذج من التعريفات (1)
فإذا قلنا: «دانه دينا» عنينا بذلك أنه ملكه، وحكمه وساسه، ودبره، وقهره، وحاسبه، وقضى في شأنه، وجازاه وكافأه، فالدين في هذا الاستعمال يدور على معنى الملك والتصرف بما هو من شأن الملوك من السياسة والتدبير، والحكم والقهر، والمحاسبة والمجازاة، ومن ذلك
مالك يوم الدين
1
أي: يوم المحاسبة والجزاء، وفي الحديث: «الكيس من دان نفسه»
صفحة غير معروفة