وبعيد أن يكون لفظ «دين» بمعنى «ملة» لفظا غير عربي خصوصا مع الاعتراف بوجود اللفظ نفسه عربيا بمعنى آخر في رأي «ماكدونالد». والناظر في هذه المادة يجد من تفنن العرب في الاشتقاق منها وتعديد الصيغ وفي تشعب استعمالاتهم لها ما لم تجربه عادتهم في الكلمات المعربة.
وإذا كان استعمال «الدين» في معنى الملة استعمالا مولدا من معنى أصلي للمادة؛ فإنني لست أميل إلى رأي القائلين بأن هذا المعنى الأصيل هو الطاعة أو الجزاء أو هو جملة الطاعة والحساب والجزاء؛ ذلك بأن الطاعة تستلزم آمرا مطاعا وأمرا يطاع، فهي تستدعي أن يكون الدين ذا إله وشريعة، وكذلك الجزاء والحساب يستدعيان مجازيا محاسبا، بيد أن من أديان العرب في الجاهلية التي تسمى في لسانهم «دينا» من غير شك ما ينكر الإله القادر وينكر الحساب والجزاء، وقد أشار القرآن إلى ذلك؛ إذ يقول:
وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون
1
والقرآن نفسه يسمى ما كان عليه العرب دينا؛ إذ يطلب إلى الرسول أن يقول للكافرين:
لكم دينكم ولي دين .
2
ويلاحظ أن أكثر معاجم اللغة العربية تجمع لفظ «دين» ولفظ «دين» في مقام واحد باعتبار أنهما من مادة واحدة، بل هما يردان مصدرين لفعل واحد، ولذلك يلوح لي أن صيغة «دين» أجدر بأن تكون أصلا لصيغة «دين». فإن «فعلا» في العربية أكثر استعمالا من «فعل» وأدنى إلى البساطة وسهولة الاستعمال، ويزيد هذا رجحانا في نظري أن كلمة «دين» تطلق في بعض مدلولاتها على كل شيء غير حاضر.
ففي لسان العرب: «والدين واحد الديون معروف، وكل شيء غير حاضر دين، والجمع أدين مثل أعين وديون»، أفليس من المعقول أن تكون كلمة «دين» بمعنى ملة مأخوذة من كلمة «دين» بمعنى الشيء غير الحاضر؟ فإن أساس الأديان كلها الإيمان بأمر وراء هذا الوجود المحسوس الحاضر.
وليس ذلك بمانع من أن كلمة «دين» مستعملة في لغة العرب لمعان مختلفة منها: الطاعة والحساب والجزاء، ومنها القضاء والحكم، ومنها الحال والعادة ... إلى غير ذلك. (2) الدين في لسان القرآن
صفحة غير معروفة