بتجربة أثبتت نتائج دوبروي الرياضية، ونال الاثنان جائزة نوبل للفيزياء، تاركين بقية الفيزيائيين أمام المعضلة الجديدة؛ أن المادة أيضا موجة.
أعاد ديفسون تجربة الشقين بوضع شاشة تلفزيونية على الحائط في منطقة السقوط، وباستبدال المنبع الضوئي بقاذف إلكترونات. والإلكترونات كما نعرف هي جسيمات مادية ذات كتلة يمكن قياسها، وتدخل بشكل أساسي في تكوين ذرات المادة. أرسل ديفسون نحو الحاجز حزمة من الإلكترونات بعد إغلاق أحد الشقين، فعبرت الإلكترونات الشق المفتوح وسقطت على الشاشة، حيث شكلت عليها نمط توزع شبيها بنمط توزع فوتونات الضوء؛ فمعظم الإلكترونات قد سقط حول المركز المقابل للشق، ثم قل انتشارها نحو الأطراف وصولا إلى الحواف غير المنتظمة للبقعة، التي كان النور والظل يتداخلان عندها في التجربة السابقة؛ أي إن الإلكترونات قد شكلت على الشاشة ما يشبه بقعة النور غير المنتظمة، وإننا أمام ظاهرة حيود موجي، رغم أننا لا نقذف ضوءا بل حزمة جسيمات مادية. وللتأكد من ظاهرة الحيود هذه قام ديفسون بإطلاق حزمة ثانية من الإلكترونات نحو الحاجز، ولكن مع فتح الشقين هذه المرة. وبدلا من تشكل بقعتين غير منتظمتين على الشاشة، كل منهما تقابل أحد الشقين المفتوحين، فقد تشكلت مناطق ظليلة تزدحم فيها مواضع سقوط الإلكترونات وأخرى خالية؛ الأمر الذي يشير إلى التداخل الموجي بين حزمتي الإلكترونات الصادرة عن الشقين. إن الإلكترونات التي عبرت الشق الواحد المفتوح لن تسقط في نفس البقعة، التي سقطت فيها بعد فتح الشق الثاني، بل إنها تختار مناطق معينة لسقوطها دون الأخرى، مكونة شرائط مزدحمة وأخرى خالية.
ننتقل الآن إلى الجزء الأكثر إثارة في التجربة؛ فبدلا من حزمة الإلكترونات، قام المجرب بإطلاق الإلكترونات فرادى، ومن أجل كل إلكترون يعبر الحاجز نضع على الحائط بدلا من الشاشة لوحا فوتوغرافيا حساسا، يسجل لنا موضع سقوط الإلكترون المقذوف. تم إغلاق أحد الشقين وترك الآخر مفتوحا، ثم أطلقت الإلكترونات واحدا إثر آخر، مع تغيير اللوح الحساس عقب سقوط كل إلكترون. بعد سقوط عدد كبير من الإلكترونات، قام المجرب بوضع الألواح الشفافة التي تجمعت لديه بعضها فوق بعض في وضعية المطابقة، وكل لوح منها يحمل أثر سقوط إلكترون واحد، فنتجت لديه بقعة غير منتظمة مشابهة لبقعة النقاط عبر المنتظمة، التي ظهرت على الشاشة التلفزيونية لدى إطلاقنا لحزمة الإلكترونات على شق واحد مفتوح، أعاد المجرب الكرة بعد فتح الشقين معا، وأخذ يطلق الإلكترونات فرادى أيضا مع تغيير اللوح الحساس في كل مرة، وبعد سقوط عدد كبير من الإلكترونات، رتب الألواح الحساسة الشفافة بالطريقة نفسها، فتكونت لديه مناطق مزدحمة وأخرى خالية مشابهة لتلك التي ظهرت على الشاشة التلفزيونية، لدى إطلاق حزمة الإلكترونات على الشقين المفتوحين، وهذا يدل على أن مجموعة الأحداث الإفرادية المتمثلة بعبور إلكترون واحد لأحد الشقين المفتوحين، تظهر تداخلا موجبا أيضا، وأن الإلكترون المفرد يسلك كموجة لا كجسيم إذا كان الشق الآخر مفتوحا. فكيف يعرف الإلكترون وهو يتوجه نحو شق واحد ليمر منه أن الشق الآخر مفتوح فيسلك كموجة لا كجسيم؟ وكيف له أن يعرف ما الذي ينوي إلكترون آخر أن يفعله، فيحجم عن السقوط في الشرائح الخالية مفضلا السقوط في الشرائح الأخرى المعدة لسقوط الإلكترونات الأخرى؟
يقول الفيزيائي هنري ستاب: «إن اللغز المركزي في النظرية الكوانتية، هو انتقال المعلومات بهذه السرعة والكيفية، فأنى للجسيم أن يعرف بوجود شقين؟ وكيف يمكن تحصيل المعلومات عما حدث هناك لتقرير ما يمكن أن يحدث هنا؟»
5
ويجيب بعض الفيزيائيين على هذه التساؤلات بأن يعزوا للجسيمات وعيا من نوع ما. يقول ووكر: «ربما كان علينا أن نعزو وعيا من نوع خاص إلى كل عمليات الميكانيك الكوانتي ... وبما أن كل ما يجري من حولنا هو في النهاية نتيجة لحادثة كوانتية أو أخرى، فإن الكون يبدو مسكونا بعدد لا نهائي من وحدات وعي صغيرة، وغير مفكرة، مسئولة عن السير التفصيلي لعمليات الكون.»
6
لقد كان اكتشاف الطبيعة المزدوجة للطاقة وللمادة، بمثابة الضربة القاصمة لقانون السببية في الفيزياء التقليدية. فوفق القوانين النيوتونية، كنا نستطيع التنبؤ بنتائج معينة وبشكل حتمي، إذا عرفنا الشروط الابتدائية لأية حادثة. أما الآن فإن معلوماتنا عن الشروط الابتدائية لا تفيد بتاتا في التنبؤ بنتيجة الحادثة، وتجربة الشقين الآنفة الذكر أكبر دليل على ذلك. فهنا، ورغم التماثل التام للشروط الابتدائية، فإن الإلكترون يهبط في مكانين مختلفين، وهو يسلك كجسيم مادي وكموجة أيضا، وذلك تبعا لطريقة ترتيب معدات التجربة. وهكذا يبدو أنه يتوجب علينا منذ الآن أن نقبل نظرات متعارضة في رؤية المادة والتعامل معها.
لقد أظهر أينشتاين أن الطاقة ذات طبيعة جسيمية، وأنها تأتي على دفقات، ولكنه لم يدحض النظرية الموجية، ناهيك عن أنه لم يكن راغبا في ذلك. ولتفسير هذا التعارض في طبيعة الطاقة، اقترح أينشتاين وجود «موجات شبحية» ترافق الفوتونات وتقود خطاها، وهذه الموجات هي كيانات رياضية لا تملك وجودا فعليا؛ فالفوتونات يبدو أنها تتبع مسارات لها كل الخصائص الرياضية للموجة، ولكن هذه الموجة لا وجود لها. ورغم أن قلة من الفيزيائيين ما زالت ترى في هذا التفسير حلا مرضيا، إلا أن الغالبية العظمى وجدت أنه لا يفسر شيئا رغم منطقيته. وفي عام 1924م، تم إنجاز أول خطوة عملية مهمة نحو فهم الظاهرة الكمومية؛ فلقد اقترح ثلاثة من الفيزيائيين وعلى رأسهم نيلز بوهر
N. Bohr ، أن الموجات المرافقة للجسيمات هي موجات احتمال. والاحتمال هنا يشير إلى أمر في طور الحدوث ولكنه لم يحدث بعد، إنه ميل الشيء إلى التحقق، وهذا الميل إلى التحقق يمتلك نوعا من الوجود، رغم عدم بلوغه مرحلة الحادثة المكتملة. وبناء عليه، فإن موجات الاحتمال هي كيانات رياضية يستطيع الفيزيائيون الاعتماد عليها من أجل التنبؤ باحتمالات وقوع أو عدم وقوع حادثة ما. إلا أن الفرق بين موجات أينشتاين الشبحية وموجات الاحتمال هذه، هو أن موجات الاحتمال تطلعنا على حوادث ذات وجود خاص لم نعهده من قبل. يقول فيرنر هايزنبرغ: «إنها تعني ميلا نحو شيء ما؛ فهي بشكل ما تعبير كمي عن مفهوم الكمون في الفلسفة الأرسطية. وإن فيها أمرا يقف في موقع الوسط بين فكرة الحادثة والحادثة نفسها؛ فهي نوع غريب من الحقيقة الفيزيائية، يتوسط بين الإمكان والتحقق الفعلي.»
صفحة غير معروفة