4
وبطلها الإله إندارا، الذي كان رئيسا لمجمع الآلهة الفيدية قبل تكون الهندوسية الكلاسيكية، وذوبان الجماعات الآرية الحاكمة في لجة الثقافة الهندية الأقدم والأعرق.
يقوم الإله إندارا بقتل التنين السماوي الذي يحتجز مياه الأعالي في بطنه ويستلقي على قمم الجبال العالية في هيئة سحابة لا شكل لها، فيتمزق أشلاء بعد أن تصيبه صاعقة الإله في بطنه، ويندفق الماء من جوفه ليسيل عبر السهول والوديان، وتعود الطبيعة سيرتها الأولى بعد الجفاف الذي حل بها. وبموت التنين الذي اغتصب سلطة الآلهة، تتراجع آلهة الظلام التي جاءت معه إلى العالم الأسفل، ويعود آلهة العالم العلوي إلى مساكنهم في قمم الجبال، يصرفون أمور الكون من جديد.
كان أول عمل لإندارا بعد انتصاره، هو إعادة بناء مدينة الآلهة التي استحالت يبابا خلال فترة حكم التنين، فأتم ذلك على أحسن وجه بواسطة إله الحرف والفنون الذي استعاد الوجه القديم للمدينة وزاد في تجميلها، فهلل الآلهة لإندارا وأعلنوه ملكا ومخلصا. غير أن إندارا الذي أسكرته نشوة النصر وغلبه الإعجاب بالنفس، طلب من إله الحرف أن يبني له قصرا ملكيا لم يحلم بمثله إله أو شيطان من قبل. فشرع المعماري في عمله وأتمه في عام واحد، وكان لإندارا ما أراد وأكثر؛ قاعات وأبهاء، أسوار وبوابات وأبراج وحدائق وجداول وبحيرات. ولكن ملك الآلهة طلب المزيد؛ مزيدا من الأجنحة ومزيدا من الحدائق والبحيرات ومزيدا من وسائل الرفاهية ومما يبهر الأبصار. وكلما تقدم إله الحرف نحو تحقيق مخططات إندارا، خطرت لكبير الآلهة أفكار جديدة وزادت رؤاه سعة في الخيال وبعدا عن الإمكان، حتى حل اليأس بالمعماري ووصل إلى حالة من الحيرة والإحباط. فمضى إلى الإله الخالق برهما
5
وعرض عليه الأمر ملتمسا عون الآلهة الكبرى، فطمأنه هذا ووعده خيرا. ثم إن براهما صعد إلى الملأ الأعلى حيث الإله الأكبر فيشنو (الذي يلعب في أسفار البورانا دور براهمان)، وعرض عليه ما صار إليه إندارا ومشكلة إله الحرف معه. أصغى فيشنو بصمت وهدوء حتى انتهى برهما من حديثه، ثم هز رأسه بحركة خفيفة دلالة موافقته على التدخل في المسألة.
في اليوم التالي، وقف بباب إندارا صبي برهمي
6
يحمل في يده عصا الحج، وطلب من الحراس السماح له بالمثول أمام ملك الآلهة. خف الملك شخصيا لاستقبال الصبي المقدس عند الباب، واقتاده إلى الداخل حيث حياه الآلهة المجتمعون في بهو الاستقبال، وسكبوا أمامه العسل واللبن وقدموا الثمار، ثم سأله إندارا عن قصده وسبب زيارته. كان الصبي في العاشرة من عمره، نحيلا ذا عينين نفاذتين يشع منهما ألق الحكمة، وعندما تكلم مجيبا عن سؤال الملك، صدر عنه صوت رخيم عميق، أشبه ببشارة صوت بعيد لرعد غيمة ماطرة. قال الصبي: «أي ملك الآلهة، لقد سمعت عن القصر العظيم الذي تعمل على تشييده، فأتيت لأطرح أمامك بعض تساؤلات خطرت في ذهني. فكم من الأعوام يستغرقه إكمال قصرك على ما تحب وتشتهي؟ وكم بقي على المعماري إنجازه من أجلك أيها الإله الكبير؟» قالها الصبي وقد علت محياه ابتسامة ذات مغزى. «لم يكن لأي إندارا من قبلك أن ينجح في بناء القصر الذي تتصور في قلبك، فكيف تنجح أنت في ذلك؟»
لم يفقه الملك المفتون بقوته إشارة الصبي إلى «إندارات» أتت قبله ثم مضت، فالتفت إليه يخاطبه بلهجة أبوية، كمن يستوضح أمرا لم يحسن صاحبه التعبير عنه وصياغته بطريقة مفهومة: «كم من إندارا قد رأيت قبلي، أو به قد سمعت؟»
صفحة غير معروفة