من هنا، يدعو الهنود دينهم بالدهارما الخالدة؛ أي سنة الكون الأبدية. وهذه السنة تعني، من جهة، القانون الأخلاقي الذي نصت عليه الشرائع في الأسفار المقدسة، ومن جهة أخرى القانون الأبدي الثابت الذي يحكم الكون برمته. وبهذا المعنى الثاني تتطابق سنة الكون مع ما نفهمه اليوم من مصطلح القانون الطبيعي، الذي تجعل منه العلوم حقلا لدراستها، ولكن مع فارق هام، وهو أن هذا القانون الطبيعي لا يقوم بذاته في الفكر الهندوسي، وإنما يستند إلى مستوى أعمق للوجود، هو الأرضية غير المتغيرة لكل عرض متغير، ويدعى براهمن؛ القاع الكلي غير المشخص للوجود، الذي صدر عنه كل ما عداه من الناس والآلهة ومظاهر المادة. وفي حال الكائنات الحية من بشر وآلهة، ومن كل ما يدب ويزحف على الأرض أو يطير في الهواء، فإن لها نفسا تدعى أتمان، هي تلك النفوس الفردية الموزعة بين الخلائق، وفي الوقت ذاته هي النفس الكلية المنبثقة عن براهمن. فالنفوس رغم تباينها الظاهري هي في حقيقة الأمر نفس واحدة، وإلى هذه النفس الواحدة ترجع النفوس المتحررة المنعتقة لتذوب فيها؛ وبهذا يتحصل لدينا ستة مفاهيم أساسية في المعتقدات الهندوسية: (1)
سمسارا: الدورة السببية الكبرى والعالم الذي تتناسخ فيه أرواح الكائنات الحية وأرواح الآلهة. (2)
كارما: الفعل وتبعاته الأخلاقية. (3)
دهارما: السنة الكونية. (4)
موكشا: الانعتاق من الدورة السببية. (5)
براهمن: اللامتغير الأبدي والقاع الكلي للوجود. (6)
أتمان: النفس المتجزئة، والنفس الكلية أيضا.
بين هذه المفاهيم جميعا، لا نجد واحدا منها يتطابق مع مفهوم الإله الأعلى الخالق للكون والمفارق له. إلا أن هذا المفهوم في حال وجوده، ليس إلا وهما من أوهام عالم الظواهر الذي تعيشه الروح في إسار دورة التناسخ. وهذا ما يقودنا إلى المفهوم الأساسي السابع، وهو المايا، الذي يفهم منه عادة ما يؤدي معنى الوهم أو الظواهر الخادعة.
2
تقوم فكرة المايا أساسا من أجل الربط بين الواحد غير المتجزئ والكثرة التي تصدر عنه؛ لأن الواحد لا يمكن أن يكون سبب الكثرة؛ ولذا فإن هذه الكثرة من موضوعات الطبيعة لا بد أن تكون وهما يمت إلى عالم الظواهر والخداع. وما دامت الروح تعيش في دورة السببية، فإنها واقعة في إسار المايا، تعاين الكثرة والتنوع؛ كثرة الموضوعات الطبيعية وتنوع النفوس البشرية. ولكنها عندما تفلح في الانعتاق، فإن الوهم الكبير ينجلي، ويبدو لها الكون متوحدا في المطلق العظيم، فتنمحي الحدود بين الظواهر وتذوب الفروق بين الأرواح التي كانت تعيش وهم التفرد والاستقلال. أما الإله المشخص الذي عرفته النفوس خلال دهور دوراتها في السمسارا، فيبدو لها بعد الانعتاق على حقيقته؛ براهمن الأزلي الحق، بعد أن كان براهمن + مايا، مثلما كانت النفس البشرية نفسا + مايا، ويتحقق التطابق في الهوية بين النفس أتمان والمطلق براهمن.
صفحة غير معروفة