خطط دمشق ومصانعها
تنقسم
1
دمشق اليوم إلى قسمين متجاورين، المدينة القديمة والمدينة الحديثة، يقوم القسم القديم حول جامع بني أمية والقلعة داخل السور وظاهره، وقد حافظت أحياؤه على مظهرها القديم وعلى ما كانت عليه منذ مئات من السنين، ويخترق هذه المنطقة من الغرب إلى الشرق شارعان، الأول شارع الملك فيصل يمتد شمال سور المدينة، ويصل ساحة الشهداء بمحلتي القصاع وباب توما، ويمر فيه خط ترام طوله أحد عشر كيلومترا يصل دومة بدمشق، وفي هذا الشارع حوانيت العلافين والحدادين وبائعي البقول والأثمار وحواصل الخشب، وفيه سوق الخضروات، وفيه جامعان أثريان: جامع السادات، وجامع المعلق.
والشارع الثاني سوق مدحت باشا يقع إلى الجنوب وداخل السور، وهو جزء من الشارع المستقيم القديم الذي يصل باب الجابية بالباب الشرقي، وتكثر في هذا الشارع متاجر النسيج الوطني والأعبئة والكوفيات والعقل والنحاسون، وبين هذين الشارعين شارع ثالث وهو سوق الحميدية جنوبي القلعة، وينفذ منه إلى جامع بني أمية، وهو من أهم شوارع المدينة، تتمركز فيه الحركة التجارية، وفيه أكبر مخازن المصنوعات الأجنبية، وبين هذا الشارع وشارع مدحت باشا تتجدد اليوم محلة سيدي عمود التي قضى عليها حريق عام 1925، ويعارض هذه الشوارع عدد كبير من الطرق والأزقة ليسهل اتصال هذه الشوارع بعضها ببعض. وهنالك عدة شوارع متسلسلة تمتد من شمال المدينة إلى جنوبها، تبتدئ من ساحة الشهداء فتخرق محلة السنجقدار وباب الجابية والسنانية والسويقة وباب المصلى والميدانين التحتاني والفوقاني، وتنتهي عند باب مصر الواقع في أقصى جنوب المدينة، منه كان يخرج حجاج بيت الله الحرام. في هذا الشارع خط ترام طوله ثلاثة كيلومترات ونصف كيلومتر، وفيه عدد كبير من المتاجر البسيطة معظم علاقتها مع القرويين، ولا سيما الميدان وباب المصلى مركز تجارة الحبوب.
وقد حافظ أكثر أقسام هذه الشوارع الأخيرة على حالتها القديمة، ونصيبها من التجدد والعمران ضئيل، ويخيم عليها مظهر الكآبة والفقر، ولولا وفرة الأبنية الأثرية التي تزين هذه الشوارع لما امتازت عن عمران قرية من القرى. وأشهر آثارها إذا ابتدأنا من الشمال جامع درويش باشا وتربته، والمدرسة السباهية «كافل سيباي»، وجامع العجمي، وتربة بهادر آص، والمدرسة الصابونية، وتربة الشيباني، وتربة الشيخ حسن، وجامع جوبان، وجامع صهيب، وجامع منجك، وجامع فلوس، وزاوية سعد الدين، والمدرسة الفونشلية، والمدرسة الرشيدية، وقد أحيطت المدينة القديمة منذ عهد قريب بشوارع جديدة إحاطة السوار بالمعصم؛ حتى يتجه العمران إليها وتخف وطأة الازدحام في شوارع المدينة الرئيسية.
لا يتأتى لمن يجول في المدينة القديمة أن يظفر بجميع محاسنها على وجه السرعة، اللهم إلا ما يشاهده من مساجد وخانقهات وحمامات وبيمارستانات عمرت في شوارع ضيقة وبين أبنية وضيعة، قد يستغرب المرء تشييدها بينها، ويدهش للبون الشاسع والتناقض الصريح بين مظهريهما، ولا يمكن أن يدرك سر وجودها في هذا الوسط الحقير بمظهره، ما لم يجتز هذه الجدران البسيطة ويطلع على ما وراءها ليرى دورا شرقية كصور ألف ليلة وليلة، فيها باحات واسعة مرخمة بالمرمر تظللها الأشجار والرياحين، وإيوانات شارعة، وقاعات مزخرفة، وبرك ماء جارية تبهج الأبصار وتنعش النفوس، وعندئذ تتجلى له حقيقة دمشق وما كانت عليه من العظمة في العصور القديمة، ويدرك سبب شهرتها وافتتان الناس قديما بمحاسنها، وإكثار الشعراء من وصفها.
وعلى ذكر الشوارع لا بد من الإشارة إلى أن بعض أسواق المدينة لا تزال مغطاة غير مكشوفة على نحو ما كانت الشوارع في معظم بلاد الشرق قديما، ومن الشوارع المسقوف بجملون من حديد أو حجر أو خشب وطين، مثل سوق مدحت باشا، وسوق الذراع، وسوق الأورام، وسوق الحرير والقوافين والسكرية، وسوق القطن، ومصلبة باب السريجة وباب الجابية والسنانية.
وقد امتد البناء الجديد في غرب سفح جبل قاسيون حتى اتصل بمحلة الصالحية وحي الأكراد وساحة الشهداء، وتقدر مساحة ما تجدد من المساكن في هذه المنطقة بثلث مساحة المدينة القديمة، ويربط الأحياء القديمة بالأحياء الجديدة خط ترام طوله 3200 متر، يمر من جادة الصالحية حتى المهاجرين، ويتفرع عنه خط ثان من الجسر متجها إلى حي الشيخ محيي الدين طوله 1000 متر، ومصور الأحياء الجديدة والصالحية يشبه طيارة مطاردة، جناحها الأيمن حي الأكراد والصالحية، وجناحها الأيسر حي المهاجرين، ومؤخرتها محلة عرنوس والشهداء، وهذه الأقسام خالية من كل أثر قديم، أما محلة الأكراد والصالحية فغنية بالأبنية الأثرية، وأشهرها المدرسة العمرية، والتربة الخانوتية، والبدرية، والمدرسة الأتابكية، والجامع المظفري، والمدرسة الجهاركسية، والركنية، والصاحبة، والبيمارستان القيمري، وتربة السيدة حفيظة، والخاتونية، والمدرسة المرشدية، والتربة القيمرية، والتكريتية، وجامع محيي الدين ابن عربي، ومعظم هذه الأبنية من العهد الأيوبي.
وأما أحدث الأبنية وأجمل القصور فتقوم غربي محلتي الشهداء وعرنوس، حيث تنشأ أحياء المدينة القديمة والحديثة عظيمة جدا من حيث طراز البناء والعادات، فبينما نرى المدينة القديمة لم تزل حريصة على تقاليدها الشرقية الإسلامية، نرى عكس ذلك في الأحياء الجديدة، حيث أصبح السفور ولبس القبعات وكشف الرأس ولبس «الشورت» وحف الشاربين من الأمور المألوفة التي لا تنكر.
صفحة غير معروفة