وعلت به فوارة من فضة
سالت فظنوها معينا سلسلا
وببابه حركات ساعات إذا
فتحت لها باب تراجع مقفلا
وفي أيام الوليد كان الناس يتكلمون في البنايات والعمائر لزيادة رغبته في البناء، فبنت الناس المجالس الحسان عملا بسنة الخليفة، وهو الذي عمر الضياع، وحفر الآبار، وأقام المنارات في الطرق، وهدم المساجد القديمة وزاد فيها، وشيد دور المرضى، وكان إذا ازدادت أموال الجباية ولم يجد أحدا يقبل الصدقات يبني بها المساجد، وشيد من جاء بعده الفنادق ودور الضيافة والخانات، وكل ما يسهل العيش ويجلب الراحة.
وظل الدمشقيون يسيرون على خطة خليفتهم الوليد في عمارة بلدهم في القرون التالية لم ينزع منهم هذا الغرام، حتى قال بعض المؤرخين إن للدمشقيين في ظاهر مدينتهم وداخلها من القصور الجميلة ما يدل على شدة ولعهم بإتقان مصانعهم والحرص على آثارهم، وهذه الخلة مشاهدة فيهم إلى اليوم، وعندهم أن من النقص في صاحب السعة ألا يملك دارا قوراء منجدة بالفرش الجيد، مستجمعة أسباب الراحة والنعيم.
عمرت دمشق في العهد الأموي عمرانا ما عهدت مثله في القرون الغابرة ولا في القرون اللاحقة، فأبقى كل واحد من خلفاء بني أمية أثرا فيها، مع أن ملكهم لم يدم أكثر من ألف شهر، وجاء العباسيون فكان بعض المتقدمين من خلفائهم كالرشيد والمأمون يختلفون إليها، كما قال ابن عساكر، طلبا للصحة وحسن المنظر، فقد أقام بها المأمون وأجرى إليها قناة من نهر منين إلى معسكره بدير مران، وبنى القبة في أعلى الجبل وصيرها مرقبا يوقد في أعلاها النار، لكي ينظر إلى ما في عسكره، وصارت هذه القباب بعد ذلك للإعلام بحركات العدو، وأقام أيضا مرصدا فلكيا في الجبل.
ومن أهم القصور القديمة القصر الذي بناه المأمون بين دمشق وداريا، ولا يعرف اليوم محله، وفيه نزل المتوكل العباسي لما نقل دواوين الخلافة من بغداد إلى دمشق، وكان المأمون معجبا بما ترك الأمويون من الآثار، ولا سيما جامعهم، قال صاحب الأغاني: إن المأمون دخل دمشق فطاف فيها، وجعل يطوف على قصور بني أمية ويتتبع آثارهم، فدخل صحنا من صحونهم، فإذا هو مفروش بالرخام الأخضر كله، وفيه بركة يدخلها الماء ويخرج منها من عين تصب إليها، وفي البركة سمك، وبين يديها بستان على أربع زواياه سروات كأنها قصت بمقراض من التفافها.
كانت صورة دمشق على شكل مربع الأضلاع مستطيل، ولها ثمانية أبواب، وربما زاد عدد الأبواب في بعض العصور، وردمت بعض الأبواب الأخرى، وأحسن بعض المتأخرين من أهل دمشق إذ قال:
دمشق في أوصافها
صفحة غير معروفة