معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
محقق
إحسان عباس
الناشر
دار الغرب الإسلامي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٤ هـ - ١٩٩٣ م
مكان النشر
بيروت
تصانيف
[الجزء الأول]
مقدّمة التحقيق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
ليس هذا موطن الحديث التفصيلي عن ياقوت ومعجم الأدباء؛ ولكن لا بدّ في هذه الكلمة الموجزة من تبيان أمور أساسية: أولها أن أهمية هذا الكتاب كانت لا تفتأ تتمثل لعيني في دور مبكر، وكنت أراه حريا بالعناية والتقدّم على كلّ ما قمت به من قبل في ميدان التحقيق، فهو أصل كبير، ومصدر لا غنى عنه، أفاد منه أكثر من وجّه همته بعد ياقوت نحو التأليف في التراجم، فهو جدير بالتحقيق والتدقيق وتسهيل الحصول على ما يحتاجه الباحثون من معلومات فيه، وقد تكون الخطوة الأولى- لعدم ظهور مخطوطات جديدة- أن يقرأ على المصادر التي نقل عنها أو التي نقلت عنه، لضبط نصوصه، وتحرير ما فيه من مادة، وتخليصه من بعض الاشكالات التي لم تحلّ في طبعاته السابقة. وتلك خطوة مهمة، وهي على اتساع نطاقها ضرورية مهما تتطلب من عناء وجهد. ولكن لابدّ بعدها من وسائل أخرى تعين على العمل، وقد عرضت هذه الوسائل نفسها على نحو متتابع:
١- فقد كنت في أيام الطلب أقرأ لأديب فلسطين الكبير إسعاف النشاشيبي ﵀ مقالات حول معجم الأدباء ينشرها متتابعة في مجلة الرسالة (المصرية) وكان يحاول أن يصوّب فيها ما يستطيع تصويبه من قراءات خاطئة، إما اجتهادا، وإما بالمقارنة مع المصادر الأخرى، وكان عمله هذا كثير الفائدة حين أردت أن أوجه العناية نحو معجم الأدباء، على الرغم من أن إسعافا أسرف كثيرا في الجري وراء استطرادات، على فائدتها، لا تتصل كثيرا بالهدف الرئيسي الذي من أجله كتب تلك المقالات.
٢- اهتم الدكتور مصطفى جواد ﵀ بمعجم الأدباء، فنشر مقالات متتابعة في مجلة المجمع العلمي العراقي [١] أوضحت أمرين كبيرين أولهما: أن هناك تراجم كثيرة قد ضاعت من معجم الأدباء، والدليل على ذلك أن المؤلف وعد بايرادها ولم ترد، وأن النقول عن ياقوت تتناول تراجم لا وجود لها في ما نشره مرغوليوث؛ وقد جمع منها (٤٦) ترجمة ضائعة، ملتزما لدى النقل ما صرّحت به المصادر من منقولات عن ذلك المعجم؛ ولكن مراجعة الوافي بالوفيات للصفدي (مثلا) تدلّ على أنه نقل كثيرا من التراجم عن ياقوت دون تصريح؛ لكن كان عمل الدكتور جواد أكثر حيطة حين التزم بما وجده منقولا مشفوعا بالتصريح الواضح الدقيق؛ وثانيهما: أن هناك تراجم قد أدرجت في معجم الأدباء، وهي ليست من شرط المؤلف (كما وضحه في المقدمة) وإنما هي مستمدة من كتاب له آخر اسمه «معجم الشعراء» . إذ لما كان المؤلف قد أفرد الشعراء بمعجم مستقل فمن المستبعد أن يترجم في معجم الأدباء لحميد بن ثور الهلالي ومسكين الدارمي وأبي زبيد الطائي وحمزة بن بيض ونصيب بن رباح والفرزدق والخبز أرزي وغيرهم كثيرين. وقد كان رصد هاتين الظاهرتين مفيدا على مستوى التحقيق، إذ نبه من يحاول الاقتراب من معجم الأدباء إلى البحث عن ترجمات أخرى ضاعت غير تلك التي وقع عليها مصطفى جواد، كما نبّه الخاطر إلى ما في الكتاب من مادة دخيلة، وقد تساءلت هل يمكن فرز تلك المادة عن أصل الكتاب، فوجدت أن هذا عمل قد يتحمل الخطأ لأنّ ياقوتا نفسه كرر بعض التراجم في معجميه، كما فعل في ترجمة العتابي حين صرّح أنه استوفى أخباره في معجم الشعراء ومع ذلك أعاد ذكره في معجم الأدباء؛ وقد ترجم للبحتري لأنه إلى جانب شهرته في الشعر ألّف الحماسة، ولكن ترجمة أبي تمام لم ترد فيه، فهل سقطت من الكتاب أو اكتفى المؤلف بذكره في أحد المعجمين؟ ثم إن إسقاط الشعراء من هذا الكتاب قد يعني تحريرا لمعجم الأدباء من مادة دخيلة، ولكن وجود هذه التراجم أمر مفيد للدارس والباحث، خصوصا وأن حذفها يقوم على التحكم المحض لا على تصور واضح لطبيعة كل معجم من المعجمين؛ ولهذا أبقيت تراجم الشعراء، ووضحت في هامش كل ترجمة أنها- على الترجيح- ليست من أصل الكتاب؛ ولست أرى لها أن تحذف إلا حين يكتشف «معجم الشعراء» .
_________
[١] جمعت هذه المقالات في كتاب بعنوان «الضائع من معجم الأدباء» (بغداد: ١٩٩٠) .
1 / 1
٣- وما كدت أنجز اعادة النظر في الكتاب حتى بلغ صديقي العلامة الكبير الشيخ حمد الجاسر نبأ اهتمامي به، فأرسل إلي- حفظه الله- يقول إن مختصرا لمعجم الأدباء موجود في مسقط قد يفيدني كثيرا في التحقيق. وبعد محاولات كثيرة للحصول على ذلك المختصر باءت بالاخفاق سافرت إلى الرياض في بعض الشؤون، ولقيت الأستاذ الجاسر، وحدثته بأن ضالتي المنشودة لم تقترن ببشرى العثور عليها، وما كان أشدّ سروري حين لقيته في اليوم التالي وهو يقدم إليّ صورة مكبرة من المختصر، فحملته معي عائدا إلى عمّان، دون أن أكتشف ما يحمله من قيمة بالغة، هوّنت عليّ إعادة العمل في الكتاب من نقطة الصفر.
وجدت الموجز يحمل عنوان «بغية الألباء من معجم الأدباء» اختصره لنفسه أحمد بن علي بن عبد السلام التكريتي، ويقع في ٢٣٨ ورقة، وقد صدر بفهرست للمحتويات حديث الصنع، وبخط مغاير، ثم بفهرست ثان بخط الناسخ. وفي كل صفحة من صفحاته ٢١ سطرا ومعدل الكلمات في السطر الواحد ١٥ كلمة، وهو بخط شرقي واضح ذي حظ من جمال، ولكن بعض أوراقه مضطرب، وهذا الاضطراب أدى الى سقوط أوراق؛ وقد كتبت تراجم كثيرة (موجزة) في الهامش (بخط الأصل) ومعظمها يبدأ بالظهور بعد انتهاء حرف الحاء؛ وعلى الهوامش تعليقات كثيرة لا علاقة لها بالمتن وفيها أحيانا إضافات متأخرة ذات علاقة، لكنها ليست من أصل الكتاب، وكثرة الخطوط في هذه الهوامش تدل على كثرة التملكات. وفي المختصر اضطراب من نوع آخر كأن ترد معلومات في ترجمة ما، وحقيقة أمرها أنها تابعة لترجمة أخرى، ولكن هذا قليل. ويعني الاختصار لدى من قام به حذف ترجمات كاملة، أو حذف جوانب من الترجمة الواحدة، أو حذف السند؛ وفي أغلب الأحيان تحذف أسماء الكتب، فإذا لم تحذف وضعت في الهامش الى جانب الترجمة. ثم إن هذا المختصر لا يمثل جميع معجم الأدباء، بل يتوقف القسم الذي وصلنا منه عند نهاية ترجمة «عبد الله بن محمد بن هارون التوزي» (رقم: ٦٦٧) فإذا كان هو الجزء الأول فإن ما تبقى من المعجم قد يجيء في جزء أو جزءين (بحسب اعتماد الحذف والايجاز) .
وعلى الرغم من كل هذه الصفات السلبية التي تعتور المختصر، فإن قيمته تبدو عزيزة على التقدير، إذ كشف لدى فحصه ومقارنته بالمطبوعة عن حقائق يمكن أن توصف بأنها خطيرة:
١- لقد أظهر أنّ مطبوعة مرغوليوث (م) قد سقطت منها ترجمات كثيرة، بلغ عددها في هذا الجزء من المختصر فقط حوالي ١٦٠ ترجمة، لا يدخل فيها أكثر الضائع الذي عدّه الدكتور مصطفى جواد.
٢- حين انتهى الجزء الأول بترجمة عبد الله بن محمد بن هارون دلّ ذلك على أن ما سيتبعه لابدّ أن يتناول بقية حرف العين من العبادلة، وذلك ما لم يرد في (م) وهذا يعني أن ما سقط من (م) يفوق ما عثر عليه مصطفى جواد بكثير؛ إذ هنالك أسماء أعلام لا يمكن أن يغفلهم ياقوت، مثل عبد الله بن المقفع (في عبد الله- وقد وعد ياقوت بايراده) ثم أسماء عبد الرحمن (ومن أهم هؤلاء: عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي- عبد الرحمن بن أخي الأصمعي- عبد الرحمن بن عتيق بن الفحام الصقلي- عبد الرحمن بن عيسى الكاتب الهمذاني- عبد الرحمن بن محمد بن دوست- عبد الرحمن ابن محمد أبو البركات الأنباري) وأسماء عبد السلام (وفي مقدمتهم عبد السلام بن الحسين البصري الذي أفاد ياقوت من منقولات كثيرة بخطه) وأسماء عبد القاهر (ولا يمكن له أن يغفل عبد القاهر الجرجاني) وأسماء عبد الملك (وأبرزهم عبد الملك بن قريب الأصمعي) وأنا هنا إنما أذكر المشهورين من النحويين واللغويين، ولكن كتاب ياقوت يضم الأدباء من كل نوع: المؤرخين والخطاطين والنسابين وغيرهم ممن حددهم في المقدمة.
٣- مع أنّ «بغية الألباء» يعد مختصرا فإن فيه تراجم مسهبة قد ضاعت أكثر مادتها من المطبوعة (م) وما عليك إلا أن تقارن بعض التراجم في المختصر بما يقابلها في المطبوعة مثل: الوزير المهلبي- ابن خالويه- الوزير المغربي- حمدان الأثاربي- الخليل بن أحمد الفراهيدي- الزبير بن بكار- سليمان النهرواني- أبو حاتم السجستاني- طلحة النعماني- أبو الأسود الدؤلي- الرياشي- أبو هفان- ابن بري ...
الخ عندئذ تجد أن ما طبع باسم معجم الأدباء قد لا يعدو أن يكون مختصرا آخر له من أصل كبير.
٤- إن المختصر لم يهتمّ بايراد كل ترجمة وردت في الأصل؛ وحين اعتمد الحذف فقد تراجم كثيرة ورد بعضها في المطبوعة (مثل الترجمة رقم ٢، ٣، ٤، ٥، ٧، ٨، ١٣، ١٤، ١٨، ١٩، ٢٠، ٢٢) ولكن أليس من الطبيعي أن يكون قد حذف تراجم أخرى لم تذكر في المطبوعة نفسها؟ فإذا كان الأمر كذلك ارتفع عدد الضائع من معجم الأدباء إلى حد أكبر.
٥- إن المختصر والمطبوعة قد يشتركان في الترجمة الواحدة، ولكن تكاد الصلة تكون واهية بين الصورتين في السياق العام والمعلومات المدونة والترتيب؛ (مثل ترجمة الوزير المغربي أو وجود ترجمتين متفاوتين لشخص واحد- ابن الخشاب مثلا) . ترى هل هذا يعني أن المؤلف كتب غير صورة واحدة من كتابه؟ أو من بعض التراجم فيه؟ أغلب الظنّ أن الأمر كان كذلك.
٦- ولا ترد في المختصر ترجمات لمن انفردوا بالشعر ولم يضيفوا إليه فنا أدبيا آخر، وهذا يعني أن التكريتي صاحب المختصر قد اطّلع على نسخة من معجم الأدباء سلمت من الاختلاط بين تراجمها وتراجم معجم الشعراء.
٧- وتدل بعض التراجم في المختصر (والمطبوعة) على أن المؤلف كان ينحو في عمله نحو الشمول بحيث يتفوق في معجمه على من عداه من المصنفين بالعدد والتنوع؛ كما تدلّ على أنّ «التطويل» في بعض التراجم لم يكن يمثل عقبة لديه، بل كان يراه ميزة له؛ ومع ذلك فإن مقارنة عابرة بينه وبين معاصره القفطي صاحب إنباه الرواة (على الرغم من الصلة بينهما ومن رؤية الأول لعمل الثاني) تدل على انفراد كل منهما بأشياء لم ترد عند الآخر، هذا مع التسليم بأن نطاق معجم الأدباء كان أوسع بكثير من نطاق إنباه الرواة، إذ الثاني مقصور على النحاة.
٨- وسوى المختصر لم أستطع أن أحصل على نسخ جديدة، غير أني حصلت على مخطوطة كوبريللي من معجم الأدباء، وهي نسخة يقول مرغوليوث أنه اطلع عليها، ومع ذلك فإن هذه المخطوطة أفادت في توجيه كثير من القراءات، وأضافت ترجمة واحدة أغفلها مرغوليوث، هي ترجمة ابن نصر (رقم: ٨٢١) . وقد سقطت منها بعض التراجم، كما أن الترتيب فيها يختلف أحيانا عما جاء في (م) وتبتدىء بترجمة «عبيد الله بن محمد بن أبي بردة القصري» وآخر ترجمة فيها هي ترجمة «علي بن محمد بن علي الفصيحي» وتقع في ٢١٩ ورقة، وعدد السطور في الصفحة الواحدة ١٩ سطرا ومعدل الكلمات في السطر الواحد ١٣ كلمة، وخطها نسخي واضح مشكول
1 / 2
جزئيا، ولصحتها الغالبة وحسن ضبطها نجد أنّ القسم الذي تمثله في المعجم هو أكثر أقسامه استواء وأقلّها ترجمات ضائعة.
ولقد يسأل سائل: ما هذا الذي أقدمه اليوم؟ وقبل الأجابة على هذا السؤال لابد لي من أن أقول: هناك عشرات التراجم التي لا تزال مفقودة من معجم الأدباء، وقد كان بامكاني أن أجري ترميما لأكثرها، ولكني لم أحاول ذلك، لأن حدود ما قام به ياقوت ليست واضحة في كل ترجمة منقولة عنه. ولهذا لم أقم بالترميم إلا في ٣٢ ترجمة، واكتفيت في ترميم معظمها بإعادة ما نقل عن ياقوت (تصريحا) إلى مواضعها من معجمه. فأنا أعرف مثلا أن ترجمة الأصمعي لابد أن تكون واحدة من تراجم معجم الأدباء، ومع ذلك لم أحاول «إقامة» ترجمة للأصمعي تضاف إلى هذه الطبعة، أولا لأني لم أجد نقولا عن ياقوت في ترجمة الأصمعي، وثانيا لأن لياقوت طريقته في النقل ومصادره التي ينقل عنها، وكثيرا ما ينفرد بمعلومات لا توجد عند غيره. ومثل ذلك يقال في تراجم كثيرة نقلت أجزاء منها عنه دون تصريح فاكتسبت حيث وردت وضعا جديدا.
ومع ذلك ما أقدمه اليوم يعد أقرب صورة لمعجم الأدباء في حالته الأولى؛ ولكن معجم الأدباء- بتمامه- سيظل مطلبا بعيدا، يصعب نيله؛ وإذا كنت قد سميته «معجم الأدباء» - وهو ليس بالضبط كذلك- فعذري في ذلك أن تلك هي التسمية التي عرفت بها صورة أقل شمولا وأكثر بعدا عنه من هذه الصورة التي أنشرها اليوم، وبهذا الاسم عرفه الناس وميزوه.
لقد أنفقت جهدا كبيرا في محاولة ضبط هذا النصّ، بعد إذ علمت عملها فيه اجتهادات متفاوتة لم يكن أكثرها صائبا، وحين يجيء هذا الكتاب مزودا بفهارس تحليلية دقيقة، ودراسة للمؤلف وكتابه من جميع نواحيه، فإني أرجو أن تكون فائدته محققة لدى الباحثين والدارسين والقراء.
وإذا كان لي أن أتوجه بالشكر لمن أعانني في هذا العمل، وأنا أعيش في عزلة مبهمة خرساء، فأجزل الشكر وأتمه يتوجه إلى من أهداني «المختصر»، صديقي العالم البحاثة الجليل الشيخ حمد الجاسر الذي جعل خدمة العلم غاية له، كما أشكر ابنتي السيدة نرمين عباس على ما قدّمته من عون حين حملت عني كثيرا من عبء
1 / 3
التصحيح والتدقيق وصنع الفهارس؛ وقد كان للابن العزيز الدكتور ياسين عايش الفضل في إنجاز جوانب من هذا العمل ومراجعة أصوله لدى الطباعة، فله الشكر الجزيل على ما قدّمه.
أما الصديق الحاج الحبيب اللمسي فقد كان دائما يتحرى بحدس الرجل المؤمن تقديم الكتب التراثية المفيدة، ويبذل في سبيل ضبطها وإعلاء حظها من الصحة ما يملك من جهد ومال. ولولا حماسته لنشر صورة من هذا المعجم- هي أقرب الى الصحة مما سبقها- لوجدتني قد ملت إلى ما تمليه السنّ من طلب للراحة ومجانبة للارهاق؛ وفق الله الحبيب لما يحبه ويرضاه، وأقدرني على إيفائه حقه من الشكر وعرفان الجميل.
وأدعو الله مخلصا أن يوفقني إلى إكمال هذا العمل، الذي أرجو أن يحسب في باب العمل الصالح، إنه سميع مجيب.
عمان في آذار (مارس ١٩٩٢) .
احسان عباس
(بيان بالرموز)
م: المطبوعة (بتحقيق مرغوليوث) وعنها أخذت طبعة دار المأمون (الطبعة المصرية) فتعرضت للشكل التام، والتعليقات الخاطئة، وحذف بعض التراجم.
ش: النشاشيبي، إسعاف (مقالاته في مجلة الرسالة) .
ر: المختصر أي بلغة الألباء.
ك: مخطوطة كوبريللي رقم: ١١٠٤.
1 / 4
مقدّمة المؤلف
[خطبة الكتاب]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
وبه الإعانة الحمد لله ذي القدرة القاهرة، والآيات الباهرة، والآلاء الظاهرة، والنّعم المتظاهرة، حمدا يؤذن بمزيد نعمه، ويكون حصنا مانعا من نقمه، وصلّى الله على خير الأولين والآخرين من النبيين والصدّيقين، محمد النبي، والرسول الأمّي، ذي الشرف العليّ، والخلق السنيّ، والكرم المرضيّ، وعلى آله الكرام، وأتباعه سرج الظلام، وشرّف وعظم وبجّل وكرم.
وبعد فما زلت منذ غذيت بغرام الأدب، وألهمت حبّ العلم والطلب، مشغوفا بأخبار العلماء، متطلعا إلى أنباء الأدباء، أسائل عن أحوالهم، وأبحث عن نكت أقوالهم بحث المغرم الصبّ، والمحبّ عن الحبّ، وأطوف على مصنّف فيهم يشفي الغليل، ويداوي لوعة العليل، فما وجدت في ذلك تصنيفا شافيا، ولا تأليفا كافيا؛ مع أنّ جماعة من العماء، والأئمة القدماء [١]، أعطوا ذلك نصيبا من عنايتهم وافرا، فلم يكن عن صبح الكفاية سافرا، كأبي بكر محمد بن عبد الملك التاريخي [٢]، وأرى أنه أول من أعارهم طرفه، وسوّد في تبييض أخبارهم صحفه، لأنه قال في مقدمة كتابه: «وقد اجتهد أبو العباس محمد بن مبرد الأزدي وأبو العباس أحمد بن يحيى
_________
[١] زاد في طبعة دار المأمون: أصحاب كتب التراجم.
[٢] محمد بن عبد الملك السراج التاريخي النحوي، أخذ عن المبرد وثعلب، وكان فاضلا متقنا حسن الأخبار، وله كتاب تاريخ النحويين (تاريخ بغداد ٢: ٣٤٨ والوافي ٥: ٤٥- ٤٦) . ترجم له ياقوت، ولكن سقطت ترجمته.
1 / 5
الشيباني في مثل ما أودعناه كتابنا من أخبار النحويين فما وقعا ولا طارا»، هذا مع أن كتابه صغير الحجم قليل التراجم محشوّ بالنوادر التي رووها، لا يختصّ بأخبارهم أنفسهم.
ثم ألف بعده في هذا الأسلوب أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه كتابا فلم يقع إلينا إلا أننا نظنه كذلك.
ثم صنّف فيه أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني كتابا حفيلا كبيرا [١] على عادته في تصانيفه، إلا أنه حشاه بما رووه وملأه بما وعوه، فينبغي أن يسمّى مسند النحويين. وقد وقفت على هذا الكتاب وهو تسعة عشر مجلدا، ونقلت فوائده إلى هذا الكتاب مع أنه أيضا قليل التراجم بالنسبة إلى كبر حجمه.
ثم ألف فيه أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي القاضي كتابا صغيرا في نحاة البصرة [٢] نقلنا أيضا فوائده إلى هذا الكتاب.
ثم جمع في ذلك أبو بكر محمد بن حسن الاشبيلي الزبيدي كتابا [٣] لم يقصّر فيه، وهو أكثر هذه الكتب فوائد، وأكثرها تراجم وفرائد، وقد نقلنا فوائده أيضا إلى هذا الكتاب.
ثم ألف فيه القاضي أبو المحاسن المفضل بن محمد بن مسعر المعري كتابا لطيفا [٤] نقلنا فوائده.
ثم ألف فيه علي بن فضال المجاشعي [٥] كتابا وسماه «شجرة الذهب في أخبار أهل الأدب» وقع إليّ منه شيء فوجدته كثير التراجم إلا أنه قليل الفائدة لكونه لا يعتني
_________
[١] هو كتاب المقتبس، ولم يصلنا إلا في صورة موجزة باسم نور القبس، حققه رودلف زلهايم، فيسبادن ١٩٦٤.
[٢] نشر بعنوان أخبار النحويين البصريين بتحقيق طه محمد الزيني وعبد المنعم خفاجي، القاهرة ١٩٥٥.
[٣] طبقات النحويين واللغويين تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة ١٩٧٣ (الطبعة الثانية وهي أكثر دقة من الأولى) .
[٤] تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم، تحقيق الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، المملكة العربية السعودية ١٩٨١.
[٥] علي بن فضال المجاشعي: قيرواني الأصل هاجر موطنه وجال في الأرض ثم خدم نظام الملك بالعراق، وتوفي سنة ٤٧٩ وسيترجم له ياقوت.
1 / 6
بالأخبار ولا يعبأ بالوفيات والأعمار.
ثم ألف فيه الكمال عبد الرحمن بن محمد بن الأنباري كتابا سماه «نزهة الألباء في أخبار الأدباء» [١] نقلنا فوائده أيضا.
وكنت مع ذلك أقول للنفس مماطلا، وللهمة معاضلا، ربّ غيث غبّ البارقة، ومغيث تحت الخافقة [٢]، إلى أن هزم اليأس الطمع، واستولى الجدّ على اللعب والولع، وعلمت أنه طريق لم يسلك، ونفيس لم يملك، فاستخرت الله الكريم، واستنجدت بحوله العظيم، وجمعت [٣] في هذا الكتاب ما وقع إليّ من أخبار النحويين، واللغويين، والنسابين، والقراء المشهورين، والأخباريين، والمؤرخين، والوارقين المعروفين، والكتاب المشهورين، وأصحاب الرسائل المدوّنة، وأرباب الخطوط المنسوبة والمعينة، وكلّ من صنّف في الأدب تصنيفا، أو جمع في فنه تأليفا، مع إيثار الاختصار، والإعجاز في نهاية الإيجاز. ولم آل جهدا في إثبات الوفيات، وتبيين المواليد والأوقات، وذكر تصانيفهم، ومستحسن أخبارهم، والإخبار بأنسابهم وشيء من أشعارهم.
فأما من لقيته أو لقيت من لقيه فأورد [٤] لك من أخباره وحقائق أموره ما لا أترك لك بعده تشوفا إلى شيء [٥] من خبره، وأما من تقدّم زمانه، وبعد أوانه، فأورد [٦] من خبره ما أدّت الاستطاعة إليه، ووقفني النقل عليه، في تردادي إلى البلاد، ومخالطتي للعباد. وحذفت الأسانيد إلا ما قلّ رجاله، وقرب مناله، مع الاستطاعة لإثباتها سماعا وإجازة، إلا أنني قصدت صغر الحجم وكبر [٧] النفع، وأثبتّ مواضع نقلي ومواطن أخذي من كتب العلماء المعوّل في هذا الشأن عليهم، والمرجوع في صحة النقل إليهم.
_________
[١] طبع غير مرة، ونعتمد هنا على طبعة عراقية بتحقيق الدكتور إبراهيم السامرائي ١٩٥٥.
[٢] الخافقة صفة للراية.
[٣] انظر تاريخ اربل: ٣٢٠- ٣٢٢.
[٤] ر: فسأورد.
[٥] ر: أترك لنفسك بعده أن تشوف لشيء.
[٦] ر: فإني أورد.
[٧] ر: وكثر.
1 / 7
وكنت قد شرعت عند شروعي في هذا الكتاب، أو قبله، في جميع كتاب في «أخبار الشعراء» المتأخرين والقدماء. ونسجتها على هذا المنول، وسبكتها على هذا المثال في الترتيب، والوضع والتبويب، فرأيت أكثر أهل العلم المتأدبين، والكبراء المتصدرين، لا تخلو قرائحهم من نظم شعر، وسبك نثر، فأودعت ذلك الكتاب كلّ من غلب عليه الشعر فدوّن ديوانه، وشاع بذلك ذكره وشانه، ولم يشتهر برواية الكتب وتأليفها، والآداب وتصنيفها. وأما [١] من عرف بالتصنيف، واشتهر بالتأليف، وصحّت روايته، وشاعت درايته، وقلّ شعره، وكثر نثره، فهذا الكتاب عشّه ووكره، وفيه يكون ثناؤه وذكره، واجتزىء به عن التكرار هناك، إلا النفر اليسير الذين دعت الضرورة إليهم، ودلّت [٢] عنايتهم بالصناعتين عليهم. ففي هذين الكتابين أكثر أخبار الأدباء، من العلماء والشعراء. وقصدت بترك التكرار، خفّة محمله في الأسفار، وحيازة ما أهواه من هذا النشوار.
وجعلت ترتيبه على حروف المعجم: أذكر أوّلا من أوّل اسمه ألف، ثم من أول اسمه باء ثم تاء ثم ثاء إلى آخر الحروف، وألتزم ذلك في أول حرف من الاسم وثانيه وثالثه ورابعه، فأبدأ بذكر من اسمه آدم، ألا ترى أن أوّل اسمه همزة ثم ألف، ثم من اسمه إبراهيم لأن أول اسمه ألف وبعد الألف باء، ثم كذلك إلى آخر الحروف، وألتزم ذلك في الآباء أيضا فاعتبره، فإنك إذا أردت الاسم تجد له موضعا واحدا لا يتقدم عليه [٣] ولا يتأخر عنه اللهم إلا أن تتفق أسماء عدة رجال وأسماء آبائهم فإن ذلك مما لا حصر فيه إلا بالوفاة، فإني أقدّم من تقدّمت وفاته على من تأخّرت.
وأفردت في آخر كلّ حرف فصلا أذكر فيه من اشتهر بلقبه أو نسبه أو كنيته وخفي عن أكثر الناس اسمه فأذكر من لقبه [٤] على ذلك الحرف، من غير أن أورد شيئا من أخباره فيه، إنما أدلّ على اسمه واسم أبيه لتطلبه [٥] في موضعه.
ولم أقصد أدباء قطر، ولا علماء عصر، ولا إقليم معيّن، ولا بلد مبيّن، بل
_________
[١] ر: فأما.
[٢] م ر: ودلنا.
[٣] ر: يتقدم عنه.
[٤] أو نسبه ... من لقبه: سقط من م.
[٥] ر: ليطلبه.
1 / 8
جمعت البصريين والكوفيين والبغداديين والخراسانيين والحجازيين واليمنيين والمصريين والشاميين والمغربيين وغيرهم على اختلاف البلدان، وتفاوت الأزمان، حسب ما اقتضاه الترتيب، وحكم بوضعه التبويب، لا على قدر أقدارهم في القدمة والعلم، والتأخر والفهم.
وابتدأته بفصل يتضمن أخبار قوم من متخلّفي النحويين والمتقعرين المجهولين.
وإني لجدّ عالم ببغيض يندّد ويزري عليّ، ويقبل بوجه اللائمة إليّ، ممن قد أشرب الجهل قلبه، واستعصى على كرم السجيّة لبّه، يزعم أن الاشتغال بأمر الدين أهم، ونفعه في الدنيا والآخرة أعم [١]؛ أما علم أن النفوس مختلفة الطبائع، متلونة النزائع؟ ولو اشتغل الناس كلّهم بنوع من العلم واحد لضاع باقيه، ودرس الذي يليه. وإن الله جل وعز جعل لكلّ علم من يحفظ جملته، وينظم جوهرته، والمرء ميسّر لما خلق له. ولست أنكر أني لو لزمت مسجدي ومصلّاي، واشتغلت بما يعود بعاقبة دنياي في أخراي [لكان] أولى، وبطريق السلامة في الآخرة أحرى، ولكنّ طلب الأفضل مفقود، واعتماد الأحرى غير موجود. وحسبك بالمرء فضلا أن لا يأتي محظورا، ولا يسلك طريقا مخطورا [٢] .
[وقال السري الرفاء:
كن للعلوم مصنّفا أو جامعا ... يبقى لك الذكر الجميل مخلدا
كم من أديب ذكره بين الورى ... غضّ وقد أودى به ذكر الردى
وأرى الأديب يهابه أعداؤه ... وتعدّه السادات فيهم سيدا
ينسى الأواخر والأوائل كلهم ... إلا أخا العلم الذي حاز المدى
وقال بعض الأدباء:
أرى العلماء أطولنا حياة ... وإن أضحوا رفاتا في القبور
_________
[١] ر: أتمّ.
[٢] مخطورا: سقطت من م.
1 / 9
أناس غيّبوا وهم شهود ... بما ابتدعوه من علم خطير
كأنهم حضور حين تجري ... محاسن ذكرهم عند الحضور
لئن ملئت قبورهم ظلاما ... فإن ضياءهم ملء الصدور] [١]
وبعد فهذه أخبار قوم أخذ عنهم علم القرآن المجيد، والحديث المفيد [وهم أنهجوا طريق العربية، وأناروا سرجه المضيّة] [١] وبصناعتهم تنال الإمارة، وببضاعتهم يستقيم أمر السلطان والوزارة، وبعلمهم يتمّ الإسلام، وباستنباطهم يعرف الحلال من الحرام. ألا ترى أنّ القارىء إذا قرأ إن الله بريء من المشركين ورسوله- بالرفع- فقد سلك طريقا من الصواب واضحا، وركب منهجا من الفضل لائحا، فإن كسر اللام من «رسوله» كان كفرا بحتا [٢] وجهلا قحّا؟ وقد روي أن أبا عمرو بن العلاء كان يقول: لعلم العربية هو الدين بعينه، فبلغ ذلك عبد الله بن المبارك فقال:
صدق لأني رأيت النصارى قد عبدوا المسيح لجهلهم بذلك، قال الله تعالى: أنا ولّدتك من مريم وأنت نبيي، فحسبوه يقول: أنا ولدتك وأنت بنيي. فبتخفيف اللام وتقديم الباء وتعويض الضمة بالفتحة كفروا.
وحسبك من شرف هذا العلم أنّ كلّ علم على الإطلاق مفتقر إلى معرفته، محتاج إلى استعماله في محاورته، وصاحبه فغير مفتقر إلى غيره، وغير محتاج إلى الاعتضاد والاعتماد على سواه، فإن العلم إنما هو باللسان، فإذا كان اللسان معوجّا متى يستقيم ما هو به؟ وإن أردت إقامة الدليل على شأن أهل هذا الشان، وإيضاح فضلهم بالدلائل والبرهان، كنت كمن تكلّف دليلا على ضياء النهار، وإشراق الشمس وإحراق النار، فإن ذلك لا يخفى على الصامت من الحيوان فكيف الناطق، وعلى كل كهّ فهّ [٣] فكيف الحاذق.
فقد جمعت من أخبار هذه الطائفة بين حكم وأمثال وأخبار وأشعار ونثر وآثار، وهزل وجدّ، وخلاعة وزهد، ومبك ومضحك، وموعظة ونسك:
_________
[١] ما بين معقفين زيادة من ر.
[٢] ر: محضا.
[٣] ر: فهّ كهّ: والفه: العيي؛ وأما الكه فلعله مذكر «كهة» بمعنى الثقيل الضخيم.
1 / 10
من كلّ معنى يكاد الميت يفهمه ... حسنا ويعبده القرطاس والقلم
فهو لا ينفق إلا على من جبل على العلم طبعه، وعمر بحبّ الفضل ربعه، فظلّ للآداب خدينا، ولصحة العقل قرينا، قد عجنت بالظرافة طينته، وسيّرت باللطافة سيرته. وأما أهل الجهل [١] والغي، والفهاهة والعيّ، فليس ذا عشّك فادرجي [٢] .
ولا مبيتك فأدلجي. فليعفني المفنّد البغيض، وليعرض عن التعريض.
على أنني معترف بقول [٣] يحيى بن خالد: لا يزال الرجل في فسحة من عقله ما لم يقل شعرا أو يصنّف كتابا. وقد كتب جعفر بن يحيى إلى بعض عماله، وقد وقف على سهو في كتاب ورد منه: «اتخذ كاتبا متصفحا [٤] لكتبك، فإن المؤلف للكتاب [٥] تنازعه أمور وتعتوره صروف [٦] تشغل قلبه وتشعّب فكره، من كلام ينسّقه، وتأليف ينظّمه، ومعنى يتعلّق به يشرحه، وحجة يوضحها. والمتصفّح للكتاب أبصر بمواضع الخلل من مبتدي تأليفه» . وأنا فقد اعترفت بقصوري فيما اعتمدت عن الغاية، وتقصيري عن الانتهاء إلى النهاية، فأسأل الناظر فيه أن لا يعتمد العنت ولا يقصد قصد من إذا رأى حسنا ستره، وعيبا أظهره. وليتأمّله بعين الإنصاف لا الانحراف، فمن طلب عيبا وجدّ وجد، ومن افتقد زلل أخيه بعين الرضى فقد فقد.
فرحم الله امرءا قهر هواه، وأطاع الانصاف ونواه، وعذرنا في خطأ إن كان منا، وزلل إن صدر عنّا، فالكمال محال لغير ذي الجلال، فالمرء غير معصوم، والنسيان في الإنسان غير معدوم. وإن عجز عن الاعتذار عنا والتصويب، فقد علم أن كلّ مجتهد مصيب، فانّا وإن أخطأنا في مواضع يسيرة، فقد أصبنا في مواطن كثيرة، فما علمنا
_________
[١] ر: الجهالة.
[٢] في المثل: ليس بعشك فادرجي، أي ليس هذا مما ينبغي لك فزل عنه، جمهرة العسكري ٢: ١٩٧ وفصل المقال: ٤٠٣.
[٣] ر: بفضل قول.
[٤] م: منصفا.
[٥] للكتاب: سقطت من م.
[٦] م: خروق.
1 / 11
فيمن تقدّمنا من العلماء [١] وأمنا من الأئمة القدماء أحدا [٢] إلا وقد نظم في سلك أهل الزلل، وأخذ عليه شيء من الخطل، وهم هم، فكيف بنا مع قصورنا واقتصارنا وصرف جلّ زماننا في نهمة الدنيا وطلب المعاش [٣]، وتنميق [٤] الرياش، الذي مرادنا منه [٥] صيانة العرض، وبقاء ماء الوجه لدى العرض.
وإنما تصديت [٦] لجمع هذا الكتاب لفرط الشّغف والغرام، والوجد بما حوى والهيام، لا لسلطان أجتديه، ولا لصدر أرتجيه. غير أني أرغب إلى الناظر فيه أن يترحّم عليّ، ويعطف جيد دعائه إليّ، فذلك ما لا كلفة فيه عليه، ولا ضرر يرجع به إليه، فربما انتفعت بدعوته، وفزت بما قد أمن هو من معرّته.
ومع ما تقدّم من اعتذارنا، ومرّ من تنصّلنا واستغفارنا، فقد رآني جماعة من أهل العصر وقد نظمت لآلىء هذا الكتاب، وأبرزته في أبهى من الحليّ على ترائب الكعاب، فاستحسنوه والتمسوه لينسخوه، فوجدت في نفسي شحّا عليهم، وبخلا بعطف جيده إليهم، لأنه مني بمنزلة الروح من جسد الجبان، والسوداوين من العين والجنان، مع كوني غير راض لنفسي بذلك المنع، ولا حامد لها على ذلك الصنع، لكنها طبيعة عليها جبلت، وسجيّة إليها جبرت، حتى قلت فيه مع اعترافي بقلة بضاعتي في الشعر، وعلمي بركاكة نظمي والنثر [٧]:
فكم قد حوى من فصل قول محبّر ... ومن نثر مصقاع ومن نظم ذي فهم
ومن خبر حلو ظريف جمعته ... على قدم الأيام للعرب والعجم
يرنّح أعطافي إذا ما قرأته ... كما رنّحت شرّابها إبنة الكرم
ولو أنني أنصفته في محبّتي ... لجلّدته جلدي وصندقته عظمي
_________
[١] من العلماء: سقطت من م.
[٢] أحدا: سقطت من م.
[٣] ر: في النهمة الدنيا وطل المعاش.
[٤] م: وتنمو.
[٥] ر: مرادنا به.
[٦] م: تصاديت.
[٧] وردت الأبيات في تاريخ اربل: ٣٢١.
1 / 12
عزيز على فضلي بأن لا أطيعه ... على بذله للطائفين على العلم
ولو أنني أسطيع من فرط حبّه ... لما زال من كفّي ولا غاب عن كمي
وقد قرأت بخط أبي سعد السمعاني لأبي عبد الله محمد بن سلامة المقرىء [١] في هذا النشوار:
إني لما أنا فيه من منافستي ... فيما شغفت به من هذه الكتب
لقد علمت بأن الموت يدركني ... من قبل أن ينقضي من حبّها أربي
[ولله درّ القائل] [٢]:
ومجموعة فيها علوم كثيرة ... تقرّ بما فيها عيون الأفاضل
ألذّ من النّعمى وأحلى من المنى ... وأحسن من وجه الحبيب المواصل
حكت روضة حاكت يد القطر وشيها ... ومسّك ريّاها نسيم الأصائل
أطالعها في كلّ وقت فأجتلي ... عقائل يغلي مهرها كلّ عاقل
وأمنعها الجهال فهي حبيبة ... «جرى حبّها مجرى دمي في مفاصلي»
(تضمين نصف بيت للمتنبي) .
واعلم [٣] أنني لو أعطيت حمر النّعم وسودها، ومقانب [٤] الملوك وبنودها، لما سرّني أن ينسب هذا الكتاب إلى سواي، وأن يفوز بقضب سبقه إلّاي، لما قاسيت في تحصيله من المشقة، وطويت في تكميله من طول الشّقّة، فإنني علم الله لم أقف على باب أحد من العالم أجتديه، ولا أحصي عدد ما وقفت على الأبواب للفوائد فيه، فلا غرو أن أمنعه من ملتمسيه، وأحجبه من الراغبين فيه. على أنّي ما زلت أعاتب نفسي على هذا الصنيع، وأعدّه من الأمر الفظيع والخلق الشنيع، إلى أن وقفت على الكتاب الذي ألفه محمد بن عبد الملك التاريخي في أخبار النحويين، وقد قال في
_________
[١] هو- فيما استظهره- محمد بن سلامة بن جعفر بن علي أبو عبد الله القضاعي الشافعي قاضي مصر، مصنف كتاب الشهاب، انظر ترجمته في الوافي ٣: ١١٦ وابن خلكان ٣: ٣٤٩ وعبر الذهبي ٣: ٢٣٣ وطبقات الشافعية للسبكي ٤: ١٥٠ (وفي حاشيته ذكر لمصادر أخرى) والبيتان في تاريخ اربل: ٣٢١.
[٢] زيادة تقديرية، وفي الأصل بياض.
[٣] من هنا حتى نهاية هذه المقدمة تختلف ر عن م بالتقديم والتأخير.
[٤] المقانب: جمع مقنب وهو جماعة الخيل.
1 / 13
ديباجته [١]: «ولم أقصد بهذا الكتاب لهوا ولا لعبا، ولا سمحت نفسي ببذله، ولا طابت ببثه وإخراجه إلى غير أبي الحسين محمد بن عبد الرحمن الروذباري الكاتب [٢]- أطال الله بقاءه- فإنه لي كما قال معاوية بن قرّة في ابنه إياس بن معاوية، وقد قيل له [٣]: كيف ابنك؟ فقال: خير ابن كفاني أمر الدنيا وفرّغني لأمر الآخرة» . ثم قال:
«وما أحصي عدد من انقطع بيننا وبينه من الإخوان في ردّنا إياه عن هذا الكتاب» .
فحينئذ خفّفت عن نفسي اللوم، إذ كان التأسّي من أخلاق القوم، وعلمت أنّ النفوس بخيلة بالنفائس، شحيحة بابراز العرائس. هذا وإنما يشتمل كتابه على ثلاث وعشرين ترجمة نقلت زبدها إلى هذا الكتاب، فلم ألام إذا أخفيته عن طالبيه، وحجبته [٤] عن خاطبيه؟ وقد أقسمت أن لا أسمح باعارته ما دام في مسوّدته لئلا يلحّ طالب بالتماسه، ولا يكلّفني إبرازه من كناسه، فحملهم منعي على احتذائه، وتصنيف شرواه في استوائه، وما أظنّهم يشقّون غباره، ولا يحسنون ترتيبه وأسطاره، وان وقفت لنظر الجميع، ستعرف الظالع من الضليع. فإذا هذّبته ونقّحته وبيّضته، فتمتع به فإنه كتاب أسهرت لك فيه طرفي، وأنضيت في تحصيله طرفي وطرفي. وقد حصّلته عفوا، وملكته صفوا، فاجعل جائزتي دعاء يزكو غرسه عند ذي العرش، واحمدني في بسطه والفرش، واذكرني في صالح دعائك: وربّ دعوة صادفت إجابة، ورمية حصّلت إصابة.
ولو أنصف أهل الأدب، لاستغنوا به عن المأكل والمشرب؛ ولكنّني أخاف أن يأتيه النقص من جهة زيادة فضله، وأن يقعد بقيام جدّه عظم خطره ونبله. وأستشعر له أمرين منبعهما من قلّة الإنصاف، واجتناب الحقّ والانحراف: أحدهما أن يقال هل هو إلا تصنيف رومّي مملوك، وما عسى أن يأتي به وليس في أبناء جنسه له نظير، وما كان في أمته رجل خطير، لاستيلاء [٥] التقليد على العالم والبليد، فهم لا ينظرون ما
_________
[١] ر: وقد ذكر في ديباجته فقال.
[٢] هو صاحب الفضل بن جعفر بن حنزابة وولي كتابة مصر قبله (الوافي ٤: ٤٦) .
[٣] انظر تهذيب ابن عساكر ٣: ١٧٩.
[٤] ر: وسترته.
[٥] ر: لشمول.
1 / 14
قيل، إنما يسألون عمن قال، ونعم العون للعالم القؤول، حسن الاعتقاد والقبول.
والأمر الآخر قصور الهمم، الغالب على أكثر الأمم، إذ كلّ همّه تحصيل المأكول والملبوس، ولا تسمو همته [١] إلى تشريف النفوس.
واعلم حباك الله بحسن رعايته، وأمدّك بفضل هدايته، أنّ هذا الفن من العلم ليس من بابة من يطلب العلم للمعاش، أو ليحصّل الزينة والرياش، ولا من رغبات من ينظر فيه وقلبه يجول في طلب المحصول فهو يسأل عما ينفق [٢] . ولا هو مما ينفق في المدارس، أو يناظر به في المجالس، إنما هو علم الملوك [٣] والوزراء، والجلة من الناس والكبراء، يجعلونه ربيعا لقلوبهم، ونزهة لنفوسهم، ترتاح إليه أرواحهم، وتشتمل عليه أفراحهم، فهو ربيع النفوس النفيسة، ورأس مال العلوم الرئيسة.
وقد سمّيت هذا الكتاب إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب [٤]، ومن الله أستمد المعونة، وإياه أسأل التوفيق لما يرضيه، والهداية إلى ما يحبه ويزلف إليه، إنه جواد كريم، رؤوف رحيم.
_________
[١] ر: همتهم.
[٢] في م: والرياش ولا هو مما ينفق.
[٣] ر: إنما هذا للملوك.
[٤] غير ذلك من بعد وسماه: إرشاد الألباء إلى معرفة الأدباء (تاريخ اربل: ٣٢٢) .
1 / 15
الفصل الأول في فضل الأدب وأهله وذمّ الجهل وحمله
قال علي بن أبي طالب ﵁ [١]: كفى بالعلم شرفا أنه يدّعيه من لا يحسنه، ويفرح إذا نسب إليه من ليس من أهله، وكفى بالجهل خمولا أنه يتبرأ منه من هو فيه ويغضب إذا نسب إليه، فنظم بعض المحدثين ذلك فقال:
كفى شرفا للعلم دعواه جاهل ... ويفرح أن يدعى إليه وينسب
ويكفي خمولا بالجهالة أنني ... أراع متى أنسب إليها وأغضب
وقال ﵁: قيمة كل إنسان [٢] ما يحسن، فنظمه شاعر وقال [٣]:
لا يكون الفصيح مثل العييّ ... لا ولا ذو الذكاء مثل الغبيّ
قيمة المرء قدر ما يحسن المر ... ء قضاء من الإمام عليّ
وقال كرم الله وجهه [٤]: كلّ شيء يعزّ إذا نزر ما خلا العلم فإنه يعز إذا غزر.
ومرّ [٥] عمر بن الخطاب ﵁ على قوم يسيئون الرمي فقرّعهم فقالوا: إنا قوم
_________
[١] المحاسن والمساوىء: ٣٩٩ وورد هنالك البيت الثاني المتصل بالخبر.
[٢] ر: امرىء.
[٣] قول علي ومعه البيتان في أدب الدنيا والدين: ٤٢ وورد البيتان منسوبين للخليل في قطعة طويلة في بهجة المجالس ١: ٦٥ وهما في جامع بيان العلم: ١٦٢ وكلمة عليّ في البيان والتبيين ١: ٨٣، ٢: ٧٧ والتذكرة الحمدونية ١: ٢٤١ وربيع الأبرار ٣: ١٩٢. وسترد الأبيات في ترجمة الخليل.
[٤] ورد القول دون نسبة في محاضرات الراغب ١: ٥١.
[٥] الخبر في محاضرات الراغب ١: ٦٧ (عن عثمان) .
1 / 16
متعلمين، فأعرض مغضبا وقال: والله لخطأكم في لسانكم أشدّ عليّ من خطأكم في رميكم، سمعت رسول الله ﷺ يقول: «رحم الله امرءا أصلح من لسانه» .
وروي أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ﵁ لما قرأ وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ
(الزخرف: ٧٧) أنكر عليه عبد الله بن عباس [١] فقال عليّ:
هذا من الترخيم في النداء، فقال ابن عباس: ما أشغل أهل النار في النار عن الترخيم في النداء، فقال علي: صدقت. فهذا يدل على تحقّق الصحابة بالنحو وعلمهم به.
استأذن رجل على إبراهيم النّخعيّ فقال: أبا عمران في الدار؟ فلم يجبه، فقال: أبي عمران في الدار؟ فناداه: قل الثالثة وادخل.
وكان الحسن بن أبي الحسن يعثر لسانه بشيء من اللحن فيقول: أستغفر الله، فقيل له فيه، فقال: من أخطأ فيها فقد كذب على العرب، ومن كذب فقد عمل سوءا وقال الله تعالى وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا
(النساء: ١١٠) .
وذكر أبو حيان في «كتاب محاضرات العلماء» حدثنا القاضي أبو حامد أحمد بن بشر [٢] قال: كان الفراء يوما عند محمد بن الحسن، فتذاكروا في الفقه والنحو، ففضّل الفراء النحو على الفقه، وفضّل محمد بن الحسن الفقه على النحو، حتى قال الفراء: قلّ رجل أنعم النظر في العربية وأراد علما غيره إلّا سهل عليه، فقال محمد بن الحسن: يا أبا زكريا قد أنعمت النظر في العربية وأسألك عن باب من الفقه، فقال:
هات على بركة الله تعالى، فقال له: ما تقول في رجل صلّى فسها في صلاته، وسجد سجدتي السهو فسها فيهما؟ فتفكر الفراء ساعة ثم قال: لا شيء عليه، فقال له محمد: لم؟ قال: لأن التصغير عندنا ليس له تصغير، وإنما سجدة السهو تمام الصلاة وليس للتمام تمام، فقال محمد بن الحسن: ما ظننت أن آدميا يلد مثلك.
_________
[١] في ر عند ذكر علي يرد «﵇» وعند ذكر ابن عباس هنا: ﵁.
[٢] هو أحمد بن عامر بن بشر المروروذي (٣٦٢) أستاذ التوحيدي الذي يكثر النقل عنه في كتبه وبخاصة البصائر والذخائر (ابن خلكان ١: ٦٩ والتخريج) وكتاب المحاضرات مما لم يصلنا من كتب أبي حيان.
1 / 17
وحكي عن بعض الفقهاء أنه كان يقول: حبّ من الناس حبّ من الله، وما صلح دين إلا بحياء، ولا حياء الا بعقل، وما صلح حياء ولا دين ولا عقل إلا بأدب.
وأنشد أبو الفضل الرياشي [١]:
طلبت يوما مثلا سائرا ... فكنت في الشعر له ناظما
لا خير في المرء إذا ما غدا ... لا طالب العلم ولا عالما
وفي الخبر [٢]: ارحموا ثلاثة: عزيز قوم ذلّ، وغنيّ قوم افتقر، وعالما يلعب الجهال بعلمه؛ فنظمه شاعر فقال:
إني من النفر الثلاثة حقّهم ... أن يرحموا لحوادث الأزمان
مثر أقلّ وعالم مستجهل ... وعزيز قوم ذلّ للحدثان
ويقال: فقدان الأديب الطبع كفقدان ذي النجدة السلاح، ولا محصول لأحدهما دون الآخر. وقال [٣]:
نعم عون الفتى إذا طلب ... العلم ورام الآداب صحة طبع
فإذا الطبع فاته بطل السعي ... وصار العناء في غير نفع
ومما يقارب ذلك قول بعضهم [٤]:
من كان ذا عقل ولم يك ذا غنى ... يكون كذي رجل وليس له نعل
ومن كان ذا مال ولم يك ذا حجى ... يكون كذي نعل وليس له رجل
_________
[١] العقد ٢: ٢١٥ (أربعة أبيات) .
[٢] ورد في مسند الشهاب (رقم: ٤٨٦ ص: ٤٢٨): ارحموا ثلاثة ... وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ١: ٢٣٦ وانظر محاضرات الراغب ١: ٤٤ وأدب الدنيا والدين: ٧٦ يقوله الرسول حين قابلته ابنة حاتم.
[٣] ورد البيتان في روضة العقلاء: ٣٩.
[٤] ورد البيتان في روضة العقلاء: ٢٣.
1 / 18
وقال آخر:
أرى العلم نورا والتأدب حلية ... فخذ منهما في رغبة بنصيب
وليس يتمّ العلم في الناس للفتى ... إذا لم يكن في علمه بأديب
وأنشد أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني [١]:
إنّ الجواهر درّها ونضارها ... هنّ الفداء لجوهر الآداب
فإذا اكتنزت أو ادّخرت ذخيرة ... تسمو بزينتها على الأصحاب
فعليك بالأدب المزيّن أهله ... كيما تفوز ببهجة وثواب
فلربّ ذي مال تراه مبعدا ... كالكلب ينبح من وراء حجاب
وترى الأديب وإن دهته خصاصة ... لا يستخفّ به لدى الأتراب
وقال آخر [٢]:
ما وهب الله لامرىء هبة ... أحسن من عقله ومن أدبه
هما جمال الفتى وإن فقدا ... ففقده للحياة أجمل به
وحدث أبو صالح الهروي قال: كان عبد الله بن المبارك يقول: أنفقت في الحديث أربعين ألفا، وفي الأدب ستين ألفا وليت ما أنفقته في الحديث أنفقته في الأدب، قيل له: كيف؟ قال: لأنّ النصارى كفروا بتشديدة واحدة خففوها، قال تعالى يا عيسى إني ولّدتك من عذراء بتول، فقال النصارى ولدتك [٣] .
شاعر [٤]:
ولم أر عقلا صحّ إلّا بشيمة ... ولم أر علما صحّ إلّا على أدب
_________
[١] في م: سهل بن يحيى، وصوبناه اعتمادا على ما ورد في المصادر في ترجمته، انظر إنباه الرواة ٢: ٥٨ (وفي الحاشية ذكر لمصادر كثيرة) . وسيترجم له ياقوت رقم: ٥٧٦.
[٢] البيتان في عين الأدب والسياسة: ١٢٦.
[٣] انظر روضة العقلاء: ٢٢١- ٢٢٢ حيث ورد جانب من هذه القصة مرويا عن الأصمعي.
[٤] البيت في ربيع الأبرار ٣: ٢٦١ وروضة العقلاء: ٢٢٢.
1 / 19
وقال آخر [١]:
لكلّ شيء حسن زينة ... وزينة العالم حسن الأدب
قد يشرف المرء بآدابه ... فينا وإن كان وضيع النسب
وقال آخر:
من كان مفتخرا بالمال والنسب ... فإنما فخرنا بالعلم والأدب
لا خير في رجل حرّ بلا أدب ... لا لا وإن كان منسوبا إلى العرب
قالوا [٢]: والفرق بين الأديب والعالم أن الأديب من يأخذ من كلّ شيء أحسنه فيألفه، والعالم من يقصد لفنّ من العلم فيعتمله [٣]، ولذلك قال علي كرّم الله وجهه [٤]: العلم أكثر من أن يحصى فخذوا من كلّ شيء أحسنه.
شاعر:
ذخائر المال لا تبقى على أحد ... والعلم تذخره يبقى على الأبد
والمرء يبلغ بالآداب منزلة ... يذلّ فيها له ذو المال والعقد
وحدث سفيان، قال سمعت الخليل بن أحمد يقول: إذا أردت أن تعلم العلم لنفسك فاجمع من كلّ شيء شيئا، وإذا أردت أن تكون رأسا في العلم فعليك بطريق واحد، ولذلك قال الشعبي: ما غلبني إلا ذو فنّ.
شاعر:
لا فقر أكبر من فقر بلا أدب ... ليس اليسار بجمع المال والنّشب
ما المال إلا جزازات ملفّقة ... فيها عيون من الأشعار والخطب
ويقال: من أراد السيادة فعليه بأربع، العلم والأدب والعفة والأمانة.
_________
[١] البيتان في غرر الخصائص: ١٤٤.
[٢] محاضرات الراغب ١: ٥١.
[٣] في ر: فيقتله، دون إعجام.
[٤] محاضرات الراغب ١: ٥١ (دون نسبة) .
1 / 20