[55]
عن تميم الداري ليس له في مسلم غير هذا الحديث وهو من أفراده وليس له عند البخاري شيء الدين النصيحة قال الخطابي وهي كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له وليس في كلام العرب كلمة مفردة يستوفي بها العبارة غير معناها كما أنه ليس في كلامهم كلمة أجمع لخير الدنيا والآخرة من لفظ الصلاح وأخذها من نصح الرجل ثوبه خاطه شبه فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسنده من خلل الثوب وقيل من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع شبه به تخليص القول من الغش ومعنى الحديث عماد الدين وقوامه النصيحة كقوله الحج عرفة أي عماده ومعظمه وقد قال العلماء إن هذا الحديث ربع الإسلام أي أحد أحاديث أربع يدور عليها قال النووي بل المدار عليه وحده لله إلى آخره قال العلماء النصيحة لله معناها الإيمان به ووصفه بما يجب له وتنزيهه عما لا يليق به وإتيان طاعته وترك معاصيه وموالاة من أطاعه ومعاداة من عصاه وجهاد من كفر به والاعتراف بنعمه والشكر عليها والإخلاص في جميع الأمور والدعاء إلى جميع الأوصاف المذكورة والتلطف في جميع الناس عليها قاله الخطابي وحقيقة هذه الأوصاف المذكورة راجعة إلى العبد في نصحه نفسه فإن الله غني عن نصح الناصح والنصيحة لكتابه معناها الإيمان بأنه كلامه تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق ولا يقدر على مثله أحد ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها بالخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه لتأويل المحرفين وطعن الطاعنين والتصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه والاعتبار بمواعظه والتفكر في عجائبه والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرنا من نصيحته والنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم تصديقه في الرسالة والإيمان بجميع ما جاء به وطاعته في أمره ونهيه ونصرته حيا وميتا وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه وإعظام حقه وتوقيره وإحياء طريقته وسنته وبث دعوته ونشر شريعته ونفي التهمة عنها واستثارة علومها والتفقه في معانيها والدعاء إليها والتلطف في تعلمها وتعليمها وإعظامها وإجلالها والتأدب عند قراءتها والإمساك عن الكلام فيها بغير علم وإجلال أهلها لانتسابهم إليها والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه ومحبة أهل بيته وأصحابه ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك والنصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به وتذكيرهم برفق ولطف وإعلامهم بما غفلوا عنه من حقوق المسلمين وترك الخروج عليهم وتألف قلوب الناس لطاعتهم والصلاة خلفهم والجهاد معهم وأداء الصدقات لهم وأن لا يطروا بالثناء الكاذب وأن يدعى لهم بالصلاح هذا على أن المراد بالأئمة الولاة وقيل هم العلماء فنصيحتهم قبول ما رووه وتقليدهم في الأحكام وإحسان الظن بهم والنصيحة للعامة إرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم وكف الأذى عنهم وتعليمهم ما جهلوه وستر عوراتهم وسد خلاتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق والشفقة عليهم وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم والذب عن أموالهم وأعراضهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه وحثهم على التخلق بجميع ما ذكر من أنواع النصيحة سمع جريرا يقول بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم قد وفى جرير بذلك حتى أنه أمر مولاه أن يشتري له فرسا فاشترى له فرسا بثلاثمائة درهم وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن فقال جرير لصاحب الفرس فرسك خير من ثلاثمائة ثم اشتراه منه بثمانمائة درهم فقيل له في ذلك فقال إني بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم أخرجه الطبراني فلقنني فيما استطعت بفتح التاء النصح يجوز رفعه وجره عطفا على السمع والطاعة
صفحة ٧٦