ذو النورين عثمان بن عفان

عباس محمود العقاد ت. 1383 هجري
52

ذو النورين عثمان بن عفان

تصانيف

فإذا كانت خلائق عثمان هي التي حببت إلى زوجته من تلك العشيرة أن تفارق النشأة التي عزت مفارقتها على أترابها؛ فلن يرد على الخاطر أنها خلائق رجل إمعة أو رجل هزيل يذهب به من يذهب ويجيء به من يجيء، ولا بد لتردده وحيرته حين يقع منه التردد والحيرة أن يثاب بهما إلى باعث يعمل عمله في طبائع الأقوياء وغير المستضعفين، ولا ينحصر عمله في النفوس التي برئت من القوة وخلصت للضعف والهزال.

وقد ولدت له نائلة بنته مريم؛ فكان مما يخطر على البال أن هذه التسمية من إيحاء أمها ومن بقايا حنينها إلى عقيدتها الأولى، ولكن اسم مريم كان من الأسماء المحببة إلى عثمان، وقد سمى به بنته من أم عمرو بنت جندب، وهو أشبه أن يكون تحية للزوجة المخلصة من أي يكون متابعة لها فيما لا تعاب المتابعة فيه. •••

تزوج عثمان على التعاقب تسعا من النساء، ومات عن ثلاث منهن هن: نائلة وفاختة ورملة، إذا صح أنه طلق أم البنين وهو محصور.

وقد ولد له تسعة من الذكور وسبع من الإناث، ولم يولد له من بنتي رسول الله رقية وأم كلثوم غير عبد الله ابنه من رقية، عاش إلى السادسة ثم نقر عينه ديك فورم وجهه ومات، وسائر أبنائه من زوجاته الأخريات لم يؤثر عنهم أمر ذو خطر في التاريخ، وهي حالة من حالات السلالة الأموية لا نجزم بتعليلها على وجه واضح، فهم على خلاف بني هاشم الذين بقيت فيهم بقايا النجابة والعزيمة على استمرار القتل في أصولهم وفروعهم، وإنما كان بنو أمية في المشرق والمغرب يعقبون كأنما يأتي العقب منهم على قدر الضرورة، مع أنهم قد اتخذوا الجواري إلى جانب زوجاتهم، وتزوجوا من قريباتهم وغير قريباتهم، فإذا تسلسل النسب منهم جيلا أو جيلين لم يمض على سوائه في الجيل الثالث، أو يرزقون الولد ولا يرزقون فيه النجابة والنبوغ؛ وربما كان للنسب الدخيل في أصولهم الجاهلية أثر في هذه الحالة المتلاحقة، وأقرب من ذلك إلى التعليل المقبول أن أولئك الأصول في الجاهلية لم يتصونوا في المخادنة والمعاشرة كما شاع عن بعضهم؛ فأصابهم من الآفات الجنسية ما كمن في أعقابهم وتداركوه بالتبني تارة والاستلحاق تارة والتماسك بين ذوي القربى حيث لا موضع للتبني والاستلحاق.

ونحن نومئ إلى هذه الملاحظة بسبيل الكلام على ذرية عثمان؛ لأنها ملاحظة شوهدت في تاريخ الأصول الأموية وشوهدت في نسله وعشيرته، وشوهدت في أعمال خلافته، فلها محل فيما خص أو عم من سيرته وتاريخه.

شئون المجتمع

منذ أسلم عثمان إلى أن تولى الخلافة تغير المجتمع العربي في نطاق واسع، وأصبحت الصبغة الإسلامية نوعا من الصبغة العالمية يكاد أن يقرب بين أساليب المعيشة في جميع أمم الحضارة الشرقية والغربية.

أسلم عثمان والدعوة الإسلامية محصورة في آحاد معدودين يلتمسون النجاة بعقائدهم وأنفسهم وذويهم من مجتمع إلى مجتمع ومن بلد إلى بلد، وصاحب الإسلام في جهاده وفتوحه؛ حتى عم الجزيرة العربية قبيل وفاة النبي عليه السلام، وأصبح بذلك دينا عربيا يجمع بين قبائل العرب على اختلاف الأنساب والطبقات.

ثم صاحب الإسلام في جهاده وفتوحه أيام حروب الردة وفتوح العراق وما جاوره من أرض فارس والروم، ثم صاحبه في جهاده وفتوحه؛ حتى أوشكت هذه الفتوح أن تحيط بالعالم المعمور يوم تسلم زمامه من سلفه العظيم عمر بن الخطاب.

ولم تمض سنوات من خلافة عثمان؛ حتى أحاط العالم الإسلامي بالعالم المعمور كله إلا ما كان منه في أقصى المشرق أو أقصى المغرب؛ فأصبحت الصبغة الإسلامية كما أسلفنا صبغة عالمية تشمل: العربي، والفارسي، والرومي، والمصري، والبربري، وتسلكهم كلهم في دولة واحدة لأول مرة في التاريخ.

صفحة غير معروفة