قلت: «معاليك قلت أنت أديب قال ما ...»
ولم يجعلني أكمل وقاطعني: «دعك مما قلت أنا، وقل لي أنت ماذا تقصد.»
قلت في بساطة وصراحة: «أنا أصف عهد الطغيان الذي نعيش فيه.»
فإذا الرجل يقول في أبوة حانية: «هيه، أنا فهمت هذا.»
فقلت: «وإذا لم تفهم أنت، فمن؟ وأنا فهمت أنك هاجمت بعض أفكار من الرواية لتحميني.»
قال: «برافو. نعم هذا ما قصدت إليه، حتى إذا سألك أحد تقول اسأل طه حسين، فهو يقول غير هذا، إنما اسمع أنا أستحلفك بحياتي إذا كنت تحبني، وأستحلفك بأبيك الذي أعرف أنك تحبه وتقدره ألا تقول هذا الذي قلته لي لأي إنسان، ولا حتى لزوجتك. هؤلاء قوم مجرمون والله يعلم ماذا يصنعون بك إذا فهموا هذا الفهم.»
كان برنامجي أن أسافر إلى غزالة في هذا اليوم، فخرجت إلى غزالة، وكتبت له خطابا، قلت له فيه إن كتابتك عني أهم حدث في حياتي، ولكنني ربما كنت أصل إليها بعد سنوات إذا فاتني أن أصل إليها اليوم.
ولم أكن أتصور أنني سألقى سعادة أكبر من أن تكتب أنت عني، ولكنك كشأنك تسمو إلى مدارج يعجز مثلي أن يتصور إنسانا يصل إليها.
إنه لشيء عظيم أن ينقدني ظاهرة من الظواهر الكونية في التاريخ الأدبي، ولكن الأعظم منه أن أجد فيك الأب الذي فقدته. وقد يتاح للإنسان من أمثالي أن يصلوا إلى النجاح الأدبي، ولكن هيهات أن يتاح للإنسان أن يجد أبا بعد أن يفقد أباه.
وتوثقت الصلة بيني وبين الدكتور طه حسين، وكتب لي بعد ذلك عن رواياتي «قصر النيل» و«ثم تشرق الشمس» و«لقاء هناك».
صفحة غير معروفة