السونيتة
الرباعية
القصيدة
السونيتة
الرباعية
القصيدة
ذكرى شكسبير
ذكرى شكسبير
تأليف
أحمد زكي أبو شادي
شكسبير (1564-1616)
ولدت ولكن بملك (الأثير)
وزرت (بني الأرض) ترجو اعتبارا
فأعطيتهم كل ما قد خبرت
وما ازددت أنت العليم اختبارا!
فأنت بمولدك العالمي
ومنه انتقلت إلينا انتشارا!
ومن ظن كم كوكب في الفضاء
حوى من نبوغك فيه ازدهارا؟!
توطئة
بقلم أحمد زكي أبو شادي
تتضمن هذه المجموعة الشعرية منظومات قرضتها تلبية لدعوة (جمعية الشعر
Society ) بمدينة لندن لمناسبة فتح (ممثل شكسبير التذكاري
Shakespeare Memorial Theatre ) بعد تجديده على إثر الاحتراق الذي نكب به حديثا، وهي دعوة عامة إلى شعراء جميع الأمم الذين يقدرون مزايا شكسبير وآثاره الخالدة ويفهمون حق الفهم شخصيته العظيمة وأدبه الرائع المثقف. وقد اختير يوم 23 أبريل سنة 1927 (وهو ذكرى ميلاد شكسبير) يوما بل عيدا للاحتفال المرموق.
وما أقدمت على نظمها إلا مدفوعا بعاملين قويين: أولهما؛ إكباري لهذا العبقري العظيم الذي رفع رأس الإنسانية بنبوغه الفخم وعقله الجبار. وثانيهما؛ دافع الاشتراك في واجب قومي نحو هذا المثل العالي للإنسان العظيم - ذلك الواجب الذي يجب أن يوزع على جميع الأمم المتحضرة، وأن لا يتخلى عنه أدباء أي شعب مثقف، فإجلالا لذكرى هذا الشاعر الممثل الحكيم، وبرا بسمعة وطني الأدبية التي ضرب لنا صاحب الجلالة (الملك فؤاد الأول) المثل الصالح في الغيرة عليها بتبرعه السخي (لممثل شكسبير)؛ نظمت هذه المنظومات الثلاث وإن تكن جهد المقل، وحسبي بأداء الواجب ولذتي النفسية ما فيه الرضى لشعري ووجداني.
هذا وتبعا لاقتراح (جمعية الشعر
) نظمت هذه المنظومات: (1)
سونيتة
1
أو أنشودة على مثال شكسبير. (2)
رباعية مناسبة للكتابة على جدران الممثل. (3)
قصيدة عامة غير مقيدة بوضع أو حجم.
وقمت بطبعها طبعة خاصة تسهيلا لمطالعتها، على أن لا تذاع بين جمهور المتأدبين إلا بعد الفراغ من النظر فيها بلندن كما تقضي بذلك الكياسة والواجب الأدبي المألوف، واقتصرت على شروح قليلة لفائدة القارئ العربي الذي لا يعرف اللغة الإنكليزية ففاته الاطلاع على أدب شكسبير، وإن كانت لقصص شكسبير المترجمة منزلة رفيعة بين محبي الأدب في مصر على تباين معارفهم؛ إذ يندر بينهم من لم يطلع على شيء من آثاره الأصيلة أو المترجمة، وأخص بالذكر ترجمة الشاعر المشهور خليل بك مطران لأهم قصص شكسبير ترجمة، هي آية في البلاغة والإتقان.
بورسعيد في 30 نوفمبر سنة 1926
هوامش
السونيتة
تحييك قبل تحايا (الربيع)
1
نفوس تحن إليك المدى
وأنت المرحب مثل السميع إلى (عالم) من سناك اهتدى!
رسمت له (الكون) رسم اليقين بمرآة شعرك يا فاتن
فكنت المدين لنفع المدين كما ينقذ المجدب الهاتن
فعفوا إذا أقلقتك التحايا وصفحا إذا صاحبتك الأماني
فأنت الذي قد منحت البرايا غذاء المواهب في كل آن!
فمن حقك الصفو
2
هذا الوفاء ومن حقهم كل هذا الخشوع
فأنت (النبي)
3
وما الأنبياء بإحسانهم غير نفح يضوع
فيجتذب الخلق من كل فج كما يمنح الخلق عطر الخلود
فلا بدع إن أقبلوا رسل حج إلى فيلسوف المنى والوجود!
وكم قد بكيت وكم قد ضحكت، بتمثيلك المستعز الحقيقي
فأبكيتهم مثلما قد منحت من الأنس في موحشات الطريق!
فيا (شكسبير) تأمل قريرا وفاء القرون البواكي الخوالي
تجد حولك اليوم جيلا كبيرا يجدد عهد القرون التوالي!
هوامش
الرباعية
وافت إليك أمير الشعر خاشعة
شتى العقول تناجي نورك الهادي!
فإنما (الممثل)
1
الباقي بحرقته
من روحك الفذ إبداع لآباد!
انظر إذن تلق آلافا مجمعة
ما بين حاضر أرواح وأجساد!
2
تصغي إلى الحكمة الكبرى مؤلهة
فيك النبوغ فتلقى حظ عباد!
هوامش
القصيدة
(1) عبقريته
شأوت
1
العلى وملكت الفخارا
فماذا يفيدك مدحي مرارا؟!
وكيف أحدث عنك النفوس
وأنت الذي قد رفعت الستارا
2
فكنت لها قبسا من جلال
وكانت لعقلك بحثا منارا!
3
وما زلت تنفح أذكى الفهوم
وما زلت ترمق فيها الفخارا!
4
وكرت سنون ومرت قرون
وما زال نفحك فضلا معارا
5
فما كان تكريمنا رد دين
إذا ما رددنا الديون الكبارا!
وما الشمس مهما أطلنا الثناء
بنائلة بالثناء اشتهارا!
نجل حرارتها والضياء
وهيهات نرجع نورا ونارا!
كذلك أنت الغني الأبي
فأصبحت للشمس خلا وجارا!
محال لقدركما في وفاء
وفاء يعيد الحقوق الكثارا! •••
وأرخك العالمون الثقاة
وجاءوا وفودا تزف ادكارا
وقالوا ولدت بأرض (الأفون)
6
فصرت لأهليه دوما شعارا
إذا انتسبوا فلك الانتساب
وإن فخروا فلك الفخر سارا
فقلت: أجل، إنما أنت فيهم
قرين (المسيح) تجلى وطارا
وقد وهب الناس من روحه
وقد بذل التضحيات الغزارا
فما كل آثارك الخالدات
سوى إرث عمرك لما توارى
وإن كنت معنى لغير الفناء
وإن كنت فكرا جليلا مثارا
7
ولدت ولكن بملك (الأثير)
وزرت (بني الأرض) ترجو اعتبارا
فأعطيتهم كل ما قد خبرت
وما ازددت أنت العليم اختبارا!
فأنت بمولدك العالمي
ومنه انتقلت إلينا انتشارا!
ومن ظن كم كوكب في الفضاء
حوى من نبوغك فيه ازدهارا؟!
فإن الحياة كموج الضياء
تشق الفضاء وتطوي البحارا!
ولن يعلم الناس ما أصلها
أكانت حجى في العلى أم غبارا!
ولكن لعقلك إني الضمين
فقد كان كالنور حيا وزارا!
فما لوثته ذنوب الأنام
ولا كان إلا السنا والأوارا!
8
أشعته عمرها كالزمان
تبث الرجاء وتقصي البوارا!
9
وتهدي حرارتها للنفوس
وجودا جديدا وكونا مدارا
10
فيا للغنى في الذي قد بذلت
سخيا كأنك ترمي النضارا!
11
فمن لم ير القدسي البهي
ببذلك لم يلق إلا اغترارا
ومن قال إنك رهن لأرض
فما قال حقا وما عز
12
دارا
فإنك فوق أماني الغرور
كذا العبقرية تأبى الإسارا
لها وطن في الرحيب الوجود
وإن عشقت في هوانا المزارا! •••
فيا علما في كبار الرجال
هديت الكبار وسست الصغارا
13
قدرناك لا كوكبا مغربيا
فحسب، ولكن قدرنا النهارا!
بأنواره وبآلائه
يسر العفاة
14
ويهدي الحيارى
وما الفرد في ذاته بالقليل
إذا صاحب الفضل فيه الوقارا
15
فإن قيل فرد وإن قيل نجم
سواء لمن نال منك اليسارا
وحسب الحقيقة وصف اليقين
إذا ما اقتصرنا عليه اقتصارا
فنترك أصلك للفلسفات
ونستعرض الأدب المستشارا
ونفخر بالأرض بين الرجوم
وإن كنت مجدا لنا مستعارا! (2) تفننه ونمطه
بك ائتم جيل، فجيل، وجيل
ولا غرو إن عشت دهرا إماما
فقد كنت تفحص فحص الخبير
وتبعث حكما يبيد الظلاما
خلاصته تجربات الحياة
وقوته أن يدوم احتكاما
كأنك فرقان دين جديد
فصان الفضائل صونا وحامى
ووحد أدياننا في اعتقاد
بإعجازه، وهدى من تعامى
فحدثنا عن معاني الوجود
فما قال زورا ولا نال ذاما
ومثل ما شاء إبداعه
صنوف الورى والمنى والحطاما
16
فمن فاجعات تذيب الحديد
إلى مضحكات سقين المداما
ومن حادثات هدمن الغرام
إلى محسنات بنين الغراما
ومن نخب الوصف في شعره
وهبن الشعور السليم السلاما
جعلت البيان لأذن السميع
ظهورا كرسم تجلى وداما
وأغنيت
17
أيضا بتمثيله
وإن كنت أغنيت عنه
18
الأناما!
وما حاجة الناس من ممثل
وهذي سطورك قامت قياما؟!
إذا ما قرأنا أناشيدها
رأينا المعاني ازدحمن ازدحاما
ومرت فصول بألبابنا
مشاهدكم منحتنا اغتناما
فسحنا بها في الوجود الفسيح
زمانا كريما، وعدنا كراما
ومن عجب أن تركت العقول
حيارى تناجي المعاني الجساما
ترى ألف وصف بلا مرشد
إلى ما اعتقدت وما قد تسامى
19
كأنك أشفقت من صدمها
برأيك فاخترت هذا الغماما!
وحجبت مرآة روح تسامت
فحيرت الناس حتى العظاما
وإن وهبتنا سخي الشعاع
وأحيت رجاء وردت أواما
فبينا نخالك رب ابتسام
إذا بالتبسم ليس ابتساما!
عويص المعاني بعيد الأماني
ومقتسم للذكاء اقتساما!
فعندك من كل نوع نصيب
وفيك الفراسة تلقى اعتصاما!
وتحيا بآثارك الخالدات
نفوسا وخلقا ولهوا وجاما! (3) آثاره
نشأت بعصر لبعث العلوم
20
فكونت علما جديدا مجادا
وساءلت حتى قصي الرجوم
وأنطقت حتى الضنين الجمادا
وأمتعت مستأهلات الفهوم
بما قد منحت غذاء وزادا
وألهمتنا كيف يسمو الشعور
بمن عز أمته والبلادا
21
وكيف تفنن رب النبوغ
فيخلق حتى القديم المعادا
22
يقلب طرفا بهذا الوجود
وينقل عنه العزيز المرادا
فخط عن الحق إعجازه
ومنه استمد السني المدادا
كذلك في فحصه للأنام
كثارا بممثله أو فرادى
وحقك ما عاش قبلا رسول
يدانيك فيما بحثت اجتهادا
فمن خبرة بشعور الورى
تجسمه صورة أو جهادا
إلى نكهة من مزاح الحياة
بسطنا لها ووهبنا الفؤادا!
إلى قوة في اختراع البيان
شهيا كأنا نذوق الشهادا
23
إلى حيلة في ابتكار المعاني
وخصب يزيد العقول اعتدادا
إلى قدرة في اقتباس سريع
24
فنغنم منك السريع الحصادا
إلى صحة الحكم حتى كأنا
نشاهد فيك الوحيد الرشادا
مواهب فكر بعيد المنال
وهبن الجمال منالا وآدا
25
وحررن أسرى الظلام البهيم
26
وكن لركن البيان العمادا
فلله شعرك ملء النشيد
تناجي صديقك حتى تهادى!
27
عذوبته كنعيم الخلود
ورقته تستهيم المنادى
ولله أمثاله رائعات
أفدن الذي بالشعاع استفادا
أقاصيصه ثم تمثيله
تجسمن حتى غدون اعتقادا!
بدأت الحياة بها مازحا
28
وكم كان جدا فلذ انتقادا
وصاحبت (مارلو)
29
بها هاديا
فجازيته بالنبوغ الودادا!
يعيش المعلم في علمه
إذا المتعلم أوفى وزادا
ويخلد قربك في الفاتحين
إمام حباك ابتداعا وقادا
ولما انتقلت لعهد (الدرام)
وألبستنا للشجون الحدادا
عرفنا الحياة بألوانها
فصاحب فيها الضياء السوادا
30
وعشنا نؤاسيك طورا وطورا
نبادلك الائتناس ارتيادا
شخوصك لما نزل للحديث
تحدث عنك العلى والعبادا!
وأسفار وحيك مثل الكواكب
عزت ولكن بلغن ارتيادا!
31
فنسمو إليها سمو الخيال
لنلقى الحقيقة تزهو اتقادا!
ونرتد عن رصد شتى النجوم
وما نرتضي عن حجاك ارتدادا! •••
فيا (شكسبير) إذا ما احتفلنا
بعيدك دينا لمن قد أفادا
فمن مجدنا أن جمعنا لنحظى
بمعنى البقاء ونلقى اعتضادا!
وهيهات غيرك تلفى لديه
خلائقه يحتشدن احتشادا
فهذا (فلستاف)
32
جم المزاح
وذلك (هملت) يبغي انفرادا
و(رميو) يغني بشعر الهوى
و(جلييت) تصبو إليه اتحادا
و(قيصر) في جنده لم يمت
يرى في رثائك عمرا معادا!
وهذا (عطيل) وجمع (الملوك)
نسوا في حماك الخطوب الشدادا
وشتى الرجال وشتى النساء
لمن بالخلود على الناس جادا
جمعنا وجاءوا سواء فما
قنعنا هوى أو خشيت النفادا
33
وقد رمت قبرك بيت السكون
34
وما كنت إلا رقيبا تنادى!
فما غبت عنا وما مت صدقا
ولو مت أعظم بهذا معادا!
35
هوامش
صفحة غير معروفة