والجاريتان فلما اشتد به الجوع ومضى النهار ولم ير للطعام رائحة كتب في مكان الشيخ هذين البيتين:
دعوة كانت علينا دعوة ... عزا الطعام بها وغيض الماء
سودا وصفرا كلما غنين لي ... لعبت بي السوداء والصفراء
يحكى أن شهاب الدين الخفاجي المصري شرب الدخان هو وجماعة فاعترض عليهم شيخي زادة فكتب له الشهاب بقوله:
إذا شرب الدخان فلا تلمنا ... وجد بالعفو يا روض الأماني
تريد مهذبا لا عيب فيه ... وهل عود يفوح بلا دخان
فأجابه شيخي أفندي بقوله:
إذا شرب الدخان فلا تلمني ... على لومي لأبناء الزمان
أريد مهذبا من غير ذنب ... كريح المسك فاح بلا دخان
وحكي عن شرف الدين بن الشريحي أنه اجتمع هو وشهاب الدين في ليلة أنس عند الملك الناصر فاتفق أن قام شرف الدين إلى الطهارة وعاد فأمره الناصر بالإشارة أن يصفع شهاب الدين فلما صفعه أمسك التلعفري بذقن شرف الدين وأنشد سريعا وذقنه بيده:
قد صفعنا بذا المحل الشريف ... وهو إن كان يرتضي تشريفي
فارث للعبد من مصيف طباع ... يا ربيع الندى وإلا خريفي
فانقلب المجلس ضحكا.
وروي أن ابن القطان الشاعر البغدادي دخل يوما على الوزير الرضى وعنده الحيص بيص الشاعر المشهور فقال ابن القطان قد نظمت بيتين لا يمكن أن يعمل لهما ثالث لأني قد استوفيت المعنى فيهما فقال له الوزير ما هما فأنشده:
زار الخيال بحيلا مثل مرسله ... فما شفاني منه الضم والقبل
ما زارني قط إلا كي يوافقني ... على الرقاد فينفيه ويرتحل
فقال الوزير للحيص بيص:
وما درى أن نومي حيلة نصبت ... لطيفه حين أعيا اليقظة الحيل
ومما يشاكل ذلك ما اتفق للوزير القوصي وقد أنشد ابن المرصص بيتين بين يديه نظمها في جارية حسناء كاملة المعاني والأوصاف وزعم أنه لا ثالث لهما وهما:
تبدت فهذا البدر منكسف بها ... وحقك مثلي في دجى الليل حائر
وماست فشق الغصن غيظا ثيابه ... ألست ترى أوراقه تتناثر
فأطرق الوزير يسيرا وقال:
وفاحت فألقى العود في النار نفسه ... كذا نقلت عنه الحديث المجامر
وقالت فغار الدر واصفر لونه ... كذلك ما زالت تغار الضرائر
صفحة ٢٧٦