في وسطي ثم قدم بغلا فحمل عليه صندوقين وفوقهما فرش ورفع إلي نسخة ما في الصندوقين وفيهما خمسة ألاف درهم وقدم إلي الفرس الذي كان جهزه وقال أركب وهذا الغلام الأسود يخدمك ويسوس مركوبك وأقبل هو وامرأته يعتذران إلي من التقصير في أمري وركب معي يشيعني وأنصرفت إلى بغداد وأنا أتوقع خبره لأفي بعهدي له في مجازاته ومكافأته أنا أسأل عنه فلما سمع الرجل الحديث قال لقد أمكنك الله تعالى من الوفاء له ومكافأته على فعله ومجازاته على صنعه بلا كلفة عليك ولا مؤنة تلزمك فقلت وكيف ذلك قال أنا ذلك الرجل وإنما الضر الذي أنا فيه غير عليك حالي وما كنت تعرفه مني ثم لم يزل يذكر لي تفاصيل الأسباب حتى أثبت معرفته فما تمالكت أن قمت وقبلت رأسه ثم قلت له فما الذي آل بك إلى ما أرى فقال هاجت بدمشق فتنة مثل الفتنة التي كانت في أيامك فنسبت إلي وبعث أمير المؤمنين بجيوش فأصلحوا البلد وأخذت أنا وضربت إلى أن أشرفت على الموت وقيدت وبعث بي إلى أمير المؤمنين وأمري عنده عظيم وخطبي لديه جسيم وهو قاتلي لا محالة وقد أخرجت من عند أهلي بلا وصية وقد تبعني من غلماني من ينصرف إلى أهلي بخبري وهو نازل عند فلان فإن رأيت أن
تجعل من مكافأتك لي أن ترسل من يحضره حتى أوصيه بما أريد فإذا أنت فعلت ذلك فقد جاوزت حد المكافأة وقمت لي بوفاء عهدك قال العباس قلت يصنع الله خيرا ثم أحضر حدادا في الليل فك قيوده وأزال ما كان فيه من الأنكال وأدخله حمام داره والبسه من الثياب ما احتاج إليه ثم أرسل من أحضر إليه غلامه فلما رآه جعل يبكي ويوصيه فاستدعى نائبه وقال: علي بالفرس الفلاني والبغلة الفلانية حتى عد عشرة ثم عشر من الصناديق ومن الكسوة كذا وكذا ومن الطعام كذا وكذا قال ذلك الرجل وأحضر لي بدرة عشرة آلاف درهم وكيسا فيه خمسة ألاف دينار وقال لنائبه في الشرطة خذ هذا الرجل وشيعه إلى حد الأنبار فقلت له إن ذنبي عند أمير المؤمنين عظيم وخطبي جسيم وإن أنت احتجيت بأني هربت بعث أمير المؤمنين في طلبي كل من على بابه فأرادوا قتلي فقال لي أنج بنفسك ودعني أدبر أمري فقلت والله لا ابرح من بغداد حتى أعلم ما يكون من خبرك فإن احتجت إلى حضوري وحضرت فقال لصاحب الشرطة إن كان الأمر على ما يقول فليكن في موضع كذا فإن أنا سلمت في غداة غد أعلمته وإن أنا قتلت فقد وقيته بنفسي كما وقاني بنفسه وأنشدك الله أن لايذهب من ماله درهم وتجتهد في إخراجه من بغداد وقال الرجل فأخذني صاحب الشرطة وصيرني في مكان أثق به وتفرغ العباس لنفسه وتحنط وجهز له كفنا قال العباس: فلم أفرغ من صلاة الصبح إلا ورسل المأمون في طلبي يقولون يقول لك أمير المؤمنين هات الرجل معك وقم قال: فتوجهت إلى دار أمير المؤمنين فإذا هو جالس عليه ثيابه وهو ينتظرنا فقال أين الرجل فسكت فقال ويحك أين الرجل فقلت يا أمير المؤمنين اسمع مني فقال لله علي عهد لئن ذكرت أنه هرب لأضربن عنقك فقلت لا والله يا أمير المؤمنين ما هرب ولكن اسمع حديثي وحديثه ثم شأنك وما تريد أن تفعله في أمري فقال قل فقلت يا أمير المؤمنين كان من حديثي معه كيت وكيت وقصصت عليه القصة جميعها وعرفته أنني أريد أن أوفي له وأكافئه على ما فعله معي وقلت أنا وسيدي ومولاي أمير المؤمنين بين أمرين أما أن يصفح عني فأكون قد وافيت وكافأت وأما أن يقتلني فاقيه بنفسي وقد تحنطت وها كفني يا أمير المؤمنين فلما سمع المأمون الحديث قال ويلك لا جزاك الله عن نفسك خيرا أنها فعل بك ما فعل من غير معرفة وتكافئه بعد المعرفة والعهد بهذا لا غير، هلا عرفتني خبره فكنا نكافئه عنك ولا نقصر في وفائك له فقلت يا أمير المؤمنين إنه ههنا قد حلف أن لا يبرح حتى يعرف سلامتي فإن احتجت إلى حضوره حضر فقال المأمون وهذه منة أعظم من الأولى أذهب الآن إليه فطيب نفسه وسكن روعه وائتني به حتى أتولى مكافأته قال العباس فأتيت إليه وقلت له ليزل خوفك إن أمير المؤمنين قال كيت وكيت فقال الحمد لله الذي لايحمد على السراء والضراء سواه ثم قام فصلى ركعتين ثم ركب وجئنا فلما مثل بين يدي أمير المؤمنين أقبل عليه وأدناه منه وحدثه حتى حضر الغداء وأكل معه وخلع عليه وعرض عليه أعمال دمشق فاستعفى فأمر له المأمون بعشرة أفراس بسروجها ولجمها وعشرة بغال بآلاتها وعشرة بدر وعشرة آلاف دينار وعشرة مماليك بدوابهم وكتب إلى عامله بدمشق بالوصية به واطلاق خراجه وأمره بمكاتبته بأحوال دمشق فصارت كتبه تصل إلى المأمون وكلما وصلت خريطة البريد وفيها كتابه يقول لي يا عباس هذا كتاب صديقك والله تعالى أعلم. عل من مكافأتك لي أن ترسل من يحضره حتى أوصيه بما أريد فإذا أنت فعلت ذلك فقد جاوزت حد المكافأة وقمت لي بوفاء عهدك قال العباس قلت يصنع الله خيرا ثم أحضر حدادا في الليل فك قيوده وأزال ما كان فيه من الأنكال وأدخله حمام داره والبسه من الثياب ما احتاج إليه ثم أرسل من أحضر إليه غلامه فلما رآه جعل يبكي ويوصيه فاستدعى نائبه وقال: علي بالفرس الفلاني والبغلة الفلانية حتى عد عشرة ثم عشر من الصناديق ومن الكسوة كذا وكذا ومن الطعام كذا وكذا قال ذلك الرجل وأحضر لي بدرة عشرة آلاف درهم وكيسا فيه خمسة ألاف دينار وقال لنائبه في الشرطة خذ هذا الرجل وشيعه إلى حد الأنبار فقلت له إن ذنبي عند أمير المؤمنين عظيم وخطبي جسيم وإن أنت احتجيت بأني هربت بعث أمير المؤمنين في طلبي كل من على بابه فأرادوا قتلي فقال لي أنج بنفسك ودعني أدبر أمري فقلت والله لا ابرح من بغداد حتى أعلم ما يكون من خبرك فإن احتجت إلى حضوري وحضرت فقال لصاحب الشرطة إن كان الأمر على ما يقول فليكن
صفحة ٢٦٣