الكتاب : ذيل نفحة الريحانة موافقا للمطبوع
المؤلف : محمد أمين بن فضل الله بن محب الدين بن محمد المحبي
دار النشر : دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان - 1426ه-2005 م
الطبعة : الأولى
تحقيق : أحمد عناية
عدد الأجزاء / 1
صفحة ٤
[ ترقيم الشاملة موافق للمطبوع ] """""" صفحة رقم 5 """"""
الفصل الأول
في من انتشا من بلغاء دمشق الشام
1 - محمد بن إبراهيم العمادي
عنوان الشرف الوافي ، وحظ النفوس من الأمل الموافي . ومن طلع أسعد طالع في
تمامه ، فتستر البدر خجلا منه بذيل غمامه . فوردت طلائع المدائح عليه ، تقرأ نسخة
الحمد إذا نظرت إليه . ومحله من ناظر المجد في أماقيه ، ومقامه ما بين حنجرته
وتراقيه . ففضائله أنطقتني بما نظمته فيه من الغرر ، فكنت كمن قلد البحر من فرائده
بعقود الدرر . وقد سلم من أن يشوب باله غرض ، لأن جواهر الأغراض عنده كلها
عرض . فحضرته أرجت الأرجا بطيب شمائله ، وقد راض الرياض فأصبحت راضية عن
صوب أنامله . بحديث يمد في الآجال ، ومنطق مهرم البوس ومرهم الأوجال . وعهد لم
يطرقه الريب ، وعرض لم يرن إليه العيب . وأما فضله فكل فضل عنده فضول ، وله من
الأدب أنواع تكاثرت وفصول . وأنا داعيه ، وشاكر مساعيه . فإذا رأيته رأيت القمر
صفحة ٥
الزاهر ، وإذا دنوت منه أشرقت أنفس الجواهر . على أني حين أمثل لديه ، لا أستطيع من """""" صفحة رقم 6 """"""
مهابته النظر إليه . إلا المخالسة بالنظر الثاني ، فأعيذه بالسبع المثاني . وشعره يزري
بقلائد الجمان ، في نحور الحسان . فمنه قوله ، من نبوية أرسلها صحبة النجاب ، متشوقا
إلى المدينة المنورة ، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، وهي : ( الكامل )
أيا بارقا من نحو رامة أبرقا
حي العوالي واللوى والأبرقا
واسأل كراما نازلين بطيبة
عن قلب مضنى في حماهم أوبقا
ركب النجائب حين أم رحابها
صحب الفؤاد وقاده متشوقا
كم أنتشي ريح الصبا من نحوها
وأشم فيها بارقا متألقا
وأبيت أرقبها سحيرا علها
تسري فأعرف عرف من حل النقا
وإذا كتمت الوجد خيفة شامت
آلت جفوني حلفة أن تنطقا
يا من سعى بالقلب ثم رمى به
جمر التفرق محرما عيني اللقا
وقضى بخيف منى نهايات المنى
هلا ذكرت متيما متحرقا
يا من تمنع مفردا مشتاقه
رفقا فإني قد عهدتك مشفقا
يا رائدا للخير يقصد طيبة
متشوقا في سيره متأنقا
يمم حمى هذا الشفيع المرتجى
واسأل أنامله الغمام المغدقا
واقر السلام مع الصلاة على الذي
جبريل كان خديمه لما رقى
هذي الغيوث الهاطلات بجودها
ما كل غيث في الورى متدفقا
من أخجل الكرماء لما جاءهم
متحديا بمفاخر لن تسبقا
فاذهب لحضرته الشريفة ضارعا
واهد السلام وقل مقالا مونقا
يا سيد الرسل الكرام ومن غدا
لجنابه السامي نشد الأينقا
يا راحم الضعفاء نظرة رحمة
لمعذب مضنى الفؤاد تشوقا
يرجوك فضلا أن تمن ترحما
بشفاعة تمحو ذنوبا سبقا
فالعبد في سجن الأثام مقيد
إن الكريم إذا تفضل أطلقا
أنت الملاذ إذا الذنوب تراكمت
والغوث أنت إذا رجانا أخفقا
أنجد لعبد قد تملك قلبه
حب الجناب وعمره ما أعتقا
هاجت له الأشواق جمرة لوعة
في قلبه فقضت بسقم أحرقا
ما حال يوما عن غرام صادق
لا والذي قدما تفرد بالبقا
إن كان يوما بالديار مخلفا
فالقلب منه حيث أنتم أوثقا
أو كان قيده القضاء بجسمه
فالشوق قد وافى لنحوك مطلقا
فاشفع لعبدك كي يزورك سيدي
ويرى ضريحا بالرسالة مشرقا
حيث القبول لوافد بأثامه
والعفو عن جان أتى متملقا
من لي بلثم تراب ذياك الحمى
صفحة ٦
أو أن أكون لعرفه متنشقا """""" صفحة رقم 7 """"""
تلك المشاهد إن يفز جان بها
يلق النجاح مع السماح محققا
مثوى حبيب قد ثوى في مهجتي
ومقام ذي الشرف الرفيع المنتقى
هو غيثنا وغياثنا بل غوثنا
من كل خطب في القيامة أحدقا
من جاء بالفرقان نورا ساطعا
وغدا الوجود بهديه متألقا
يا هاديا أوفى بأوضح منهج
لولاك ما عرف السبيل إلى التقى
يا ملجأ المسكين عند كروبه
يا منجيا من هول ذنب أقلقا
يا من به طابت معالم طيبة
وتمسكت منه بطيب أعبقا
أنت الذي ما زلت ترب نبوة
من منذ كونك الإله وخلقا
العبد من خوف الجناية مشفق
وبذيل جاهك يا شفيع تعلقا
صلى عليك الله ما ركب سرى
نحو الحجاز وقاصدا أرض النقا
والآل والصحب الذين بحبهم
يرجى النجاة بهول يوم أوبقا
وعلى الخصوص السيد الصديق من
أضحى به نور الهداية مشرقا
ورفيقه الليث الغضنفر غوثنا
من رأيه نص التلاوة وافقا
والصهر عثمان بن عفان الذي
حاز الحباء مع المهابة والتقى
والشهم حيدرة الحروب مدينة العلم
الذي حاز السناء الأسبقا
فعليهم مني السلام محلقا
نحو الحجاز وبالعبير مخلقا
ما سارت الركبان نحو تهامة
يحدو بها حادي الغرام مشوقا
ومما امتدحه به مولانا المرحوم المؤلف بقوله : ( الخفيف )
أوقفتنا آمالنا في التمادي
فلنا حر غلة في الصوادي
نتمنى ما دونه لحظات
قطعت دوننا طريق الرشاد
هكذا يطلب النتائج قلب
لا تراه أهلا لدرك المبادي
والدراري في البحر تخفى ولكن
هي عند الجهال فيه بوادي
أمرضتني المرضى الصحاح وخلت
بين جنبي وبين شوك القتاد
فاض دمعي دما فقلت نجيع
صبغته عصارة الأكباد
لا رعى الله سرب زائر فود
حل كرها فارتاع منه فؤادي
من بياض أضاف فيه سوادا
فأباد البياض شخص السواد
أين عهدي والوقت طلق المحيا
حين سلمت للغرام قيادي
ومياه الصبا أوان التصابي
سائغات الإصدار والإيراد
ورياض الآمال ألقت عليها
صفحة ٧
خلعة النبت والزهور الغوادي """""" صفحة رقم 8 """"""
لم يرع تربها نسيم تراه
موقظا طرف نورها من رقاد
رحل العيس فاغتديت كحرف
ساقط في مراتب الأعداد
وجفاني من كنت أرغب فيه
لا لذنب بل ضنة بالوداد
فتفردت في صحابي وحزني
كالعمادي دام في الأمجاد
من ترى وجهه فتنكر أن البدر
حسنا له من الأنداد
يتوقى في بردتيه مهاب
وتوقى السيوف في الأغماد
حل من مهجة العلا والأماني
بمحل الأرواح في الأجساد
أوقعته على الحقائق نفس
أدركت منتهى النهى في المهاد
إن يفوق آراءه لعويص
فسهام يصيب لب السداد
جمع الفضل لم يدع منه شيا
لسواه إلا عنا الاجتهاد
ضل حساده الطريق فأضحوا
في هواهم عميا بلا قواد
من يؤمل سواه فهو كساع
لسراب بمهمه وهو صاد
يا عمادي دم موئلي وعياذي
وملاذي ومسندي واعتمادي
أنا من قد تخذت حبك ديني
حل من مهجتي محل اعتقادي
وودادي كما علمت ودادي
لم يزل مدة البقا في ازدياد
فأنلني رضاك في كل حال
واكفني بؤس وصمة الأحقاد
واغتفر مدحة توافيك خجلى
من قصور في وصفك المعتاد
لك أهديتها وإني مهد
باجتراء زيفا إلى نقاد
وابق في نعمة وأمن ويمن
عود بالمنى ليوم المعاد
ولصاحب الترجمة ، حفظه الله تعالى ، متغزلا ومضمنا بقوله : ( الكامل )
ناديت مذ أبدى الصدود معذبي
ولوى بجيد للصبابة آخذ
ورنا يصول بجوهري قوامه
وبسهم ألحاظ بقلبي نافذ
بك منك إني مستجير عائذ
هذا مقام المستجير العائذ
وله ، سلمه الله تعالى وأبقاه : ( الكامل )
قمر تبدى فوق غصن قوام
ورنا يصول بناظر الآرام
وغدا لقوسي حاجبيه زاويا
يرمي بها نحو الورى بسهام
فتكت نصول لحاظه بقلوبنا
فعلى الدوام تصول وهي دوام
نحن المرامي والسهام لحاظه
ومن العجائب أنهن مرامي
في لفظه أو لحظه لعقولنا
صفحة ٨
خمر وسحر ما هما بحرام """""" صفحة رقم 9 """"""
ملك الجمال بحسنه وبهائه
وبغنج لحظيه ولين قوام
ليت الزمان به لشملي جامع
لندوم في وصل مدى الأيام
جعلت له منى الحشاشة موطنا
لما جفاني منه طيب منامي
فعلى م يطنب لائمي في حبه
والوجد وجدي والغرام غرامي
ريح الصبا زوري حماه وبلغي
مني السلام وعرضي بسقامي
واستقبلي وجها غدا من حسنه
قمر الدجى متسترا بغمام
واستجل خالا في مقبل مبسم
أضحى لكنز الدر مسك ختام
وتأملي تلك المحاسن وانظري
صنع الإله وحكمة الأحكام
كالبدر لاح لناظر والورد طاب
لناشق والروح في الأجسام
وهلم إن قبل السلام فبشري
أملي وإلا فارجعي بسلام
وله ، حرس الله تعالى وجوده : ( الخفيف )
يا سقى الله يوم أنس بناد
غلط الدهر لي بطيب التلاقي
لست أنساه إذ أدار علينا
فيه أقداح خمرة الأحداق
بدر تم أبقى الكمال له الله
وأعطى المحاق للعشاق
وحياء من قده الرطب تلتف م
غصون الرياض في الأوراق
رق جسمي كالخصر منه وقلبي
خافق مثل بنده الخفاق
يا كثير الصدود رفقا قليلا
بمحب مضنى من الأشواق
ذاب قلبي وقد تصدع حتى
قطرته الجفون من آماقي
وله ، أطال الله تعالى بقاه : ( الطويل )
رنا قمرا في جنح ليل من الشعر
فلم أدر ضوء البدر أم غرة الفجر
جلا ورد خد مع شقيق يزينه
عقيق شفاه فوق عقد من الدر
برى صبه عشقا وما رق قلبه
فيا ليت شعري كان قلبك من صخر
جرحت فؤادي وانطويت على الجفا
وحكمت في الحب من حيث لا أدري
لعل زماني أن يجود بقربكم
وتسعفني الأيام فيكم مدى الدهر
بليت بمن قلبي كمثل جفونه
تساوت جميعا في البناء على الكسر
ينفذ من لحظ لقلبي أسهما
ويرشق من قد بأمضى من السمر
وله ، حفظه الله تعالى ووقاه : ( الخفيف )
هل لقلب قد هام فيك غراما
صفحة ٩
راحة من جفاك تشفي السقاما """""" صفحة رقم 10 """"""
يا غزالا منه الغزالة غابت
عندما لاح خجلة واحتشاما
وبأوراقها الغصون توارت
منه لما انثنى وهز قواما
لك يا فاتن اللواحظ طرف
فتكه في القلوب فاق السهاما
عجبا من بقاء خالك في الخد
ونيرانه تؤج ضراما
ومن الفرع وهو فوق جبين
يخجل الشمس كيف مد ظلاما
يا بديع الجمال يا كامل الحسن
ترفق بمن غدا مستهاما
هو صب ما مال عنك لواش
نمق الزور في هواك ولاما
وله ، حماه الله من كل سوء ورعاه : ( الطويل )
غرامي سليم والفؤاد سقيم
ودمعي نموم واللسان كتوم
وخدي من ودق الدموع مخدد
وبين ضلوعي مقعد ومقيم
وما الدمع ماء بل فؤاد مصعد
مذاب تقطره الجفون كليم
وقلبي لبعد الحب أصبح والها
وفيه عذاب من جفاك عظيم
وجسمي عليل يشبه الخصر ناحل
وحظي مثل الفرع منه بهيم
يلومونني في حب من لو إذا بدا
مساء لغاب البدر وهو ذميم
ومن لو رآه الغصن لالتف خجلة
بأوراقه واحتار منه الريم
فليس لشيء من جميع جوارحي
مكان سواه والإله عليم
وقد عاب قلبي بالمحبة عاذل
وكيف خلاصي والغرام غريم
شكوت إليه طرفه متظلما
فقال سقيم يشتكيه سقيم
حديث الهوى من عهد آدم قد رووا
فمهلا فؤادي فالبلاء قديم
ولم أنس ليلا ضمنا بعد فرقة
برغم عذول لام وهو لئيم
فبات وكأسي ثغره ورضابه
مدامي إلى الإصباح وهو نديم
إلى أن شدا فوق الأراكة طائر
وهب علينا للقبول نسيم
فقام لتوديعي وقد أودع الحشا
بلابل شوق والفراق أليم
فقلت له والجفن ينثر دمعه
كسلك لعقد حل وهو نظيم
أيا جاعلا حظي سهام لحاظه
وملء الحشا من مقلتيه كلوم
رويدا رعاك الله قربك جنة
صفحة ١٠
وبعدك يا رب الجمال جحيم """""" صفحة رقم 11 """"""
فقال وقد أثنى القوام تأدبا
تصبر فإني للوصال زعيم
وسار وقد سار الفؤاد أسيره
ودمعي مسجوم حكته غيوم
فقلت وجيش الوجد سار كمينه
وجيش اصطباري راحل وهزيم
فيا ليتني من قبل لم أعرف الهوى
ولا ليته لا كان ذاك اليوم
وله ، شيد الله بناه ، ولا كان من يشناه : ( الخفيف )
هل لقلبي من قامة قتاله
من مجيري من مقلة نباله
يا لقلبي من جور ظبي غرير
بلحاظ فعل الظبا فعاله
بدرتم أعطى المحاق محبيه
وأبقى له الإله كماله
لم أقسه بالبدر إلا ببعد
وبصون عن ناظر أن يناله
أين للبدر قد خود رطيب
أين للبدر مقلة غزاله
قد حكاه الغزال جيدا ولحظا
وحكت وجهه المنير الغزاله
وغصون الرياض خرت سجودا
إذ تثنى بقامة مياله
لهواه كلي فؤاد وكلي
أذن كلما سمعت مقاله
يا حبيبا تفديه روحي ويا من
ما رأت في الدنا عيوني مثاله
ما دموعي إلا فؤاد مذاب
صاعد والهوى كدمعي أساله
فترفق بقلب صبك فالشوق
براه وغير السقم حاله
لست أنساه إذ أشار لنحوي
بقوام عند الوداع أماله
وكمين الغرام ثار وصبري
حار بل راح مذ رأى ترحاله
أتمنى طعم الرقاد عساها
مقلتي في المنام تلقى خياله
آه بل ألف آهة لغرام
بفؤادي نيرانه شعاله
كيف أنسى أيام أنسي بناد
حط ركب السرور فيه رحاله
مع بدر يميس عجبا ويرنو
بقوام وأعين قتاله
تارة ألثم الخدود وطورا
ألثم الثغر راشفا سلساله
وزماني طوع القياد وواف
بمنى النفس ضامن إقباله
إن نكن في الصباح خالين من وصل
فنمسي مستقبلين وصاله
فسقت عهدنا البهيج عهود
بملث كدمعتي الهطاله
ما شدت سحرة بلابل روض
وأهاجت من مدنف بلباله
وله ، حفظه الله تعالى ، من قصيدة يتخلص فيها لمدح الجناب الأكرم ، والرسول
صفحة ١١
الجليل المعظم ، محمد [ ] يقول فيها : ( الطويل ) """""" صفحة رقم 12 """"""
نبي حبيب الله فينا مشفع
له الرتبة العلياء والنسبة الغرا
تسامت على هام السماك بمجدها
فتاهت على الجوزاء وارتفعت قدرا
أروم امتداحيه بكفء فأزدري
له من بنات الفكر مجلوة بكرا
لعمري لا أرضى الدراري ولو دنت
لأنظمها في مدحه فذر الدرا
وما مدح المداح تحصر فضله
وقطر الغوادي من يطيق له حصرا
ولو أن ألفا ينظمون مديحه
لما بلغوا من بعض أفضاله العشرا
وناهيك من قد جاءنا في مديحه
من الله آيات مدى دهرنا تقرا
منها :
وصلى إلهي مع سلام على الذي
أنال الورى فخرا يفوق على الشعرى
مدى الدهر ما غنى على الدوح ساجع
وما أسبل المشتاق من دمعه قطرا
وقد امتدحه جناب قاضي القضاة بدمشق الشام ، المولى المحترم مصطفى أفندي
الشهير بمدحي ، بقصيدة سنية ، مطلعها قوله : ( الطويل )
كأن دمشق الشام وجه حبيبة
تهلل نورا مثل شمس الظهائر
فأجابه ، حفظه الله تعالى عنها ، بهذه القصيدة من الوزن والقافية :
ألفظك أم در بأسلاك ماهر
أم الروض قد وشاه حسن الأزاهر
أم الزهر لاحت في سماء مطالع
أم الزهر باد للعيون النواظر
أم اللؤلؤ الرطب النضيد منظم
قلائد جيد ناضر الحسن باهر
أم السحر وافى من نظامك معجزا
بعزم به حليت عزم الكواسر
معانيه فاقت في بديع بيانها
فأطرق إجلالا له كل ماهر
كتبت فوشيت الطروس براحة
لها راحة في الفضل بين الأكابر
فكم ألف فاقت على غصن بانة
وميم كثغر بالملاحة سافر
لأقلامك السمر الرقاق فضائل
يقصر عنها فعل بيض البواتر
إذا حكمت في مشكل عز دركه
لفصل خطاب فهي أعدل ناصر
عقدت لسان النطق عن كل فاضل
وأخمدت نار الفكر من كل شاعر
فلا غرو أن أصبحت في الأوج راقيا
إلى رتبة فوق السها والزواهر
فيا فاضلا ما إن لنا عن علومه
غناء ولا عن فضله المتزاخر
لئن فخر المداح يوما بمدحهم
فإني بمدحي حزت أسنى المفاخر
حبيت بنظم مثل طبعك رائق
رقيقا فيا أهلا به خير زائر
ولما اجتلبت الفكر في وصف حسنه
صفحة ١٢
وجمت ولم تلمع بوارق خاطري """""" صفحة رقم 13 """"""
فأيقنت أني لست كفؤا لقدره
وهل كامل يوما يقاس بفاتر
فيا كاملا قد حاز أوفى بلاغة
بها قد رمى شأو الكرام الأخاير
إليك اعتذاري من قريض تركته
زمانا فأضحى الآن غير معاشري
فجد بالتغاضي عنه واقبل نسيجه
على دخل لا زلت فخر المفاخر
ودونكها من فاتر الذهن قاصر
لحبر فصيح ناظم الدر ناثر
ودم سالما ما حركت نسمة الصبا
غصونا عليها ساجعات البواكر
وممن امتدح المولى المذكور أيضا ، ابن أخي سيدنا ومولانا المترجم . وهو نور
حدقة الفضل والمجد ، ونور حديقة العز والسعد . جناب الفاصل اللبيب ، والكامل
الأريب . حامد سليل المرحوم شيخ الإسلام ، ونخبة العلماء المحققين الأعلام ، علي
العمادي ، لا برح يحيي ضريحه صوب الحيا الصادي . بقصيدة سنية جعل فيها تاريخا
لولايته دمشق الشام ، ودفعها إليه في مجلس السلام . وهي : ( الكامل )
بشرى دمشق الشام بل والعالم
بولاية المولى الهمام العالم
مولى غدت بيد القضا أحكامه
في الناس أمضى من شفار صوارم
نهج الصواب على مجرد حكمه
أبدا على رغم الظلوم الغاشم
متجرد لله ينصر دينه
بالحق لا يصغي للومة لائم
إن سار فيه الظن كان بكل ما
يرجوه من جدواه أول قادم
ذو العز كشاف العلوم ومن علا
بمقامه المسعود فوق نعائم
ما فيه إلا أنه قد أغفلت
بندى أياديه مآثر حاتم
في مصطفى مدحي تفوق بالدعا
وسطور نظمي بالثناء الدائم
فاق الأنام فضائلا ومحامدا
لم لا وقد قرنت بحسن مكارم
ما روضة غراء طاب شميها
بعبير أزهار وطيب نسائم
يترقرق الماء النمير بربعها
والزهر يبسم في خلال كمائم
يوما بأحسن من شمائله التي
بالفضل قد حازت صنوف كرائم
قسما بأسفار ملئن فضائلا
من جودك المزري بسح غمائم
لم يأت في ذا العصر مثلك عالم
بقضا ذوي الأرحام أعدل قاسم
يا أيها المولى الذي حاز العلى
بسديد آراء وفكرة حازم
في القلب حب للجناب منحته
من قبل ما نيطت علي تمائمي
والعبد يرجو في عقود نظامه
صفحة ١٣
منك القبول لها ونظرة راحم """""" صفحة رقم 14 """"""
والدهر منانا بفضلك أرخوا
ودمشق بشراها بأعدل حاكم
فاسلم على مر الزمان مؤيدا
تغشى ذرا العليا بثغر باسم
والسعد في أبوابكم طوع المنى
والعز أنى كنت خير ملازم
ما طاف حول عماد فضلك حامد
نعماك أو نشرت قلائد ناظم
وكتب صاحب الترجمة ، حرس الله تعالى وجوده ، وأناله في الدارين سؤله
ومرامه ومقصوده . إلى ابن أخيه حامد أفندي المذكور ، بهذه الرسالة البديعة الجمال ،
التي لم ينسج على منوالها مثال . وأرسلها إليه صحبة كتاب الحج إلى المدينة المنورة ،
على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام ، إلى قيام الساعة وساعة القيام . وهي في سنة
ثمان وعشرين ومائة وألف من الهجرة النبوية ، وهي : الحمد لله وحده . أما بعد حمد
الله الذي أنعم على حجاج بيته العتيق ، الواردين إليه من كل فج عميق . بزيارة مرقد
حبيبه الذي كمل به نوع الإنسان ، والتشرف برؤية بيته الشريف الذي هو قبلة أهل
الإيمان . حمدا تطوف وفود الإخلاص حول كعبته ، وتقصر الفصحاء عن أن تكون
مزدلفة من شكر نعمته . وصلات الصلاة والتسليم ، المسكية النسيم ، العنبرية الشميم .
على المثوى الذي ترابه الزاكي مسك الأنوف وإثمد الأحداق ، والروضة التي فاح بنشر
عبيرها النسيم العاطر الخفاق . وعلى آله وأصحابه الذين فازوا برؤيته ، وأخلصوا في
السعي بصفاء القلب في خدمته . ما أسفر النيران ، وتعاقب الملوان . فنبتهل إلى الله
عز وجل ، وبنبيه النبيه نتوسل . مع كمال الضراعة وأنواع التوسلات ، في أن يمن علينا
برفع مانعة الجمع ويجمع الشمل بعد الشتات . وأن ينعم على جناب ولدنا ،
المحروس - إن شاء الله تعالى - بعين عنايته ، المحفوظ بحفظه وحراسته . بأنواع
الصحة المشرقة كواكبها ، والسعادة المحمودة عواقبها ، والنعمة الهاطلة سحائبها ،
والسلامة التي طابت مشاربها . وأن يمتع أبصارنا برؤياه ، ويعظم شملنا بطلعة محياه .
لنغفر للزمان ما جناه من الذنوب ، ونحظى برؤيته التي هي غاية القصد ونهاية
المطلوب . إنه على ذلك قدير ، وبالإجابة جدير . هذا ، وأما حديث الشوق إلى جناب
ولدنا المحترم الأجل ، بلغه الله من المراتب العلية أرفع محل . لما كان أمرا يكل
لسان البراعة عن نشر معشاره ، ويقف عنان اليراعة عن السبق في مجال مضماره .
أثنيت عنان اليراعة عن شرح تفصيله ، واستغنيت عن كثير اللفظ بقليله . لأن لسان
الخطاب في ذلك لذلك الجناب وإن طال فقصير ، ومترجم اليراعة وإن أجاد العبارة
عن تعبير كنه ذلك فآت بقليل من كثير . فنسأله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بنعمة
الاقتراب ، ويحسن لنا من فضله وكرمه ومنه بمشاهدة ذلك الجناب . صانه الله تعالى
صفحة ١٤
وحماه ، ومن كل سوء ومحنة رعاه ، وكلأه ووقاه . بحرمة محمد [ ] سيد الأنبيا ، """""" صفحة رقم 15 """"""
ومبلغ الأنبا . وبآله الخلاصة الطاهرين ، وأصحابه الأصفياء الأكرمين ، رضوان الله
وسلامه عليهم أجمعين . ثم المعروض بعد رفع الأدعية الصادرة عن خالص الجنان ،
وإنهاء الأثنية التي يعجز عن تعبيرها وحصرها القلم واللسان . أنه في أبرك الأوقات ،
وأسعد الساعات . ورد علينا كتاب الولد الأمجد الأعز ، أطال الله سبحانه وتعالى مدة
بقائه ، وأسعدنا من فضله بنعمة لقائه . فرتع منه الناظر في روضة أينعت غصونها
بالثمار ، وجال في أفق كواكبه شموس وأقمار . ( الخفيف )
طلع الفجر من كتابك عندي
فمتى من لقاك يبدو الصباح
ووقفت على ما تضمنه من الفضل الباهر ، وما أودعت فيه من الألفاظ التي هي
درر وجواهر . وتجلت لي غرائب إشاراته ، ورغائب استعاراته . التي هي من أبكار
الجنان ، كأنها الياقوت والمرجان . فقلت : إن ما هي إلا روضة بلاغة أنيقة ، وحديقة
فصاحة غديقة ، فاح نور كمالها ، ولاح نور جمالها . رشفت ماء الفصاحة من سماء
المعالي ، وأشرق عليها كوكب البلاغة المتلالي . فحيى الحيا غياضها ، وسقى الوسمي
رياضها . ( م . الكامل )
فقر تناهت في البديع
وفي الفصاحة والبلاغه
قد صاغها فرد الزمان
بفكره أبهى صياغه
فلله دره على ما حواه من الدرر والنفائس ، والألفاظ التي تميس في خدورها
كالعرائس . المزري بعقود الدر النظيم ، ورائق الريق والتسنيم . المتحلي بملابس
المعاني ، والمقصر عن إدراك بعضه الفرزدق وابن هاني . ولا بدع فإنه من فاضل أديب
مجيد ، يتحلى بدر نثره النحر والجيد . شمس سماء العلوم ، وبدر دجى المنطوق
والمفهوم . فتلقيناه بالقبول والتكريم ، وقابلناه بالإجلال والتعظيم . واجتنينا من ثماره
اليانعة باكورة الإنشا ، وقلنا من غير ريث ) إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ( ( آل
عمران : 73 ) ، فنسأله سبحانه أن يؤنس أعيننا برؤيتك ، ومشاهدة أنسك ، كما آنس
سمعنا بمحاسن لفظك ، المودوع في طرسك . إنه سبحانه وتعالى بذلك جدير ، ) وهو
على جمعهم إذا يشاء قدير ) ) الشورى : 29 ) . والذي يعرضه المخلص بعد دعائه الذي
أخلصه ، وثنائه الذي إذا أطنب فيه توهم أنه لخصه . أنه بفضله سبحانه العميم ، شاكر
لنعمة الصحة الحديث منها والقديم . ومن حواه المنزل الكريم ، من مخدوم وخديم .
لا يفترون عن جميل التذكار ، ولا عن الدعاء لكم آناء الليل وأطراف النهار . ونسأله
صفحة ١٥
سبحانه أن يمتع عيونهم بلقياكم على أحسن حال ، مبتهجين بالنعم والسرور فائزين """""" صفحة رقم 16 """"""
بالحج المبرور وبلوغ الآمال . مبلغين المآرب بأداء المناسك ومشاهدة تلك الرحاب ،
وزيارة ذلك الجناب السامي الرفيع وتقبيل منيف تلك الأعتاب . فطوبى لمن فاز بما
حاز من التمتع بتلك المعاهد المنيفة ، وتشرف بتلك البقاع السامية الشريفة . ( الطويل )
سقى الله أرضا لو ظفرت بتربها
كلحت بها من شدة الشوق أجفاني
فهنيئا لمن اكتحل بجوهر ذلك الإثمد البراق ، الذي ملأ نوره الآفاق .
أعني بذلك بقعة درجت فيها نعال سيد المرسلين ، وألبستها خلع الشرف والقبول
والكرامة أقدام خاتم النبيين [ ] وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، صلاة وسلاما
باقيين دائمين إلى يوم الدين . ( الطويل )
ودم وابق وارق النيرات ممتعا
بما شئت أنى شئت بالعز واسلم
مدى الدهر ما طاف الحجيج بمكة
وضج دعاء الركب في كل موسم
ثم المأمول من جانب الولد الشفوق ، بعد ملاحظة ما للعمومة التي هي بمنزل
الأبوة من الحقوق . أنه إذا وصل كتابي هذا إلى تلك المعاهد السامية المقدار ،
المشرفة بشريف الأنوار ، المخجلة لشمس النهار . المتشرفة بالحبيب المخدوم
بالملائكة الكرام ، القائم بأعباء الرسالة أتم القيام ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه
الفخام ، صلاة وسلاما دائمين باقيين إلى يوم الساعة وساعة القيام . فاعرض على
شريف جنابه ، حال عبد عبيد بابه . بعد تبليغ تحيتي وسلامي ، وإنهاء شوقي وفرط
هيامي . وطلب الشفاعة لهذا المذنب العاصي ، المفتقر إليها يوم الأخذ بالنواصي .
وأنشد عني بطريق النيابة بهذه الأبيات القاصرة عن خدمة هاتيك المراتب الساميات .
إن استطعت إيرادها عند ذلك الجناب ، وإلا فألقها في تلك الأعتاب الرحاب ، عسى
أن تكون سببا للفوز يوم الجزاء والحساب . وهي : ( الخفيف )
يا رسول الإله يا أكرم الخلق
يا رحمة لكل العباد
جد لعبد قد ضيع العمر في الخوف
معا والرجاء والترداد
ماله صالح من الخير يرجى
غير حسن الرجا وصدق الوداد
وغرام ما فيه للعيب قدح
وهيام في القلب واري الزناد
هو من مخلص محب موال
فيك للأوليا معادي الأعادي
بالغ الوجد مستهام عميد
فيك مضنى الفؤاد واهي العماد
غير أن الذنوب قد أوثقته
عن منال العباد والزهاد
ورماه القصور بالعجز والتقصير
عن مسلك الهدى والرشاد
فغدا تائبا إليك منيبا
صفحة ١٦
مخلص القلب رافض الأحقاد """""" صفحة رقم 17 """"""
مستجيزا مستشفعا بحبيب
منه قد نيل كل فصل مفاد
وأتانا بمعجز الذكر يشفي
كل حرف منه غليل الصادي
وسقى الناس من أصابعه الماء
فعمت من أصبعيه الأيادي
سيدي لا ترده خائبا منك
فما زلت ملجأ القصاد
فارض عنه واسترض ربك عنه
ثم كن شافعا له في المعاد
واقبلن أبكما دعت حرقة الوجد
لإيراده بذا الإيراد
فصلات الصلاة تهدى من الله
إلى قبرك الرفيع العماد
ثم حياك بالسلام إلهي
وحباك الرضا ليوم النفاد
وكذا الآل والصحابة طرا
عمدة الدين معدن الإرشاد
ما اشتفى الصب بعد شوق ووجد
عند إسعافه بنيل مراد
والمأمول من جناب ولدنا الأعز الأمجد ، أطال الله بقاه ، وشيد في عز الطاعة
ارتقاه . أن يبلغ عني مزيد دعاء ترصعت في تيجان الإجابة درره ، وترصفت في ديوان
الإخلاص فقره . وأعطر سلام طاب عرفه ، ومازح النسيم لطفه . مع إنهاء الشوق
الوافر ، والثناء الزاكي الشميم المتكاثر . إلى جناب أخينا الأعز الأمجد ، ومن هو في
سماء العلوم كالنير الفرقد . عمدة العلماء الأعلام ، وسليل السادة الجهابذة الكرام ،
مشايخ الإسلام . حضرة أحمد أفندي الغزي ، نظم الله شمل الأحباب بطول بقائه ،
وكحل المقل بنور طلعة اجتلائه . وأدام لحضرته طول البقاء ، ليدوم عماد المجد مشيدا
في مزيد الارتقاء . وبلغه سلام مخدومه الأعز الشيخ مصطفى ، جعله الله للعيون قرة ،
وللقلوب بهجة وفرحة ومسرة . وهو في غاية الصحة والعافية ، والنعم المتناهية الوافية .
وننهي أكمل دعاء وافر ، وتحيات تشرح النفوس وتسر الخاطر . إلى جناب راوي
حديث المجد كابرا عن كابر ، فرع شجرة السيادة الغض الناضر . جناب ولدنا
المحترم ، السيد حسن أفندي نقيب زاده ، بلغه الله تعالى من فضله سؤله ومراده .
وكذلك أكمل تحية ، من أخلص طوية . إلى جناب ولدنا وصديقنا الصادق الوداد ،
الموروث عن الآباء والأجداد . حديقة الفضل والأدب ، وترجمان لسان العرب . البارع
الأريب ، والكامل الحسيب . الشيخ سعدي العمري ، ورفيقه الفاضل الكامل الشيخ
أسعد ، دام لهما الحظ الوافر والعيش الخضل الأرغد . وكذلك إلى المحب القديم ،
والماجد الذكي الكريم ، الشيخ عبد الحي الغزي . وكذلك مزيد التحية والتسليم ،
الصادر عن الجوارح والصميم . إلى جناب الشيخ الصالح ، والناسك العابد الفالح ،
حضرة الشيخ يوسف الخلوتي وإلى بقية من معه من الإخوان ، السادة الخلوتية
الأعيان ، ونسألهم الدعاء في كل حين وأوان .
صفحة ١٧
"""""" صفحة رقم 18 """"""
ونبتهل إلى الرب الرحيم بخالص الدعا ، ونتوسل إليه سبحانه في كل صباح ومسا .
أن يجمع شمل كل مشتاق ، ويشمل شملنا بلذيذ القرب بعد أليم الفراق . بمشاهدة تلك
الذات الشريفة العلية ، والأخلاق الحميدة العمادية . ويديم لحضرته طول البقا ، ليدوم
عمادنا بجنابه مشيدا في مزيد الارتقا . وجعله من حفظه وكلأته في حرز حريز ، ) وما
ذلك على الله بعزيز ) ) إبراهيم : 20 ) . وجعل حجكم المبارك مبرورا ، وسعيكم الناجح
مشكورا . إنه سميع مجيب ، وداعيه سبحانه لا يخيب . والسلام ، على الدوام .
2 - محمد بن حسين القاري
ماجد خلقه منزع هدى وإيقان ، وخلقه متوقع تكميل وإتقان . يفجر المعروف غصنه
المهتصر ، من أكرم العنصر الزاكي وأطيب المعتصر . فهو مخصوص بعوارف
الألطاف ، وبرد وجاهته لم يزل حالي حلى الأعطاف . اصطبح العزة واغتبق ، وتناول
قصب الغايات فاستبق . إلى تحمل أوسع القلوب انشراحا ، وتجمل لم يبق على الدهر
اقتراحا . ولطف إذا ذكر أنسى ذكر الراح ، وطرف إن لحظ تعين أنه الماء القراح . ورتبته
في المجد متعينة ، ومزيته للفضل متبينة . يحرص على فائدة يلتقطها ، أو عائدة يغتبطها .
أو مواساة لخل يفتقده ، أو تدين لجميل يعتقده . فأوضح طرق المكارم وهي طوامس ،
وردع أسراب الخطوب فهي إلا عن عداه شوامس . وروض أدبه موشى بالبديع
موشع ، وميدان جولانه في القريض مرحب موسع . وأنا مداحه الذي أباهي به
وأفاخر ، وودي كله له من الأول إلى الآخر . وقد أنجب فرعا فرع وأصل ، وتحصل له
من توافر أمانيه ما به إلى الغاية القصوى توصل . اقتنص الشوارد وافترس ، واحتمى
بصيانة الله واحترس . أقول في شأنهما مقالة ابن المطرف ، بغية المستطرف ، وغنية
المستظرف : ( الكامل )
من ذا يكون كمن مدحت وكابنه
وصفا فشمس ضحى وبدر كمال
اثنان متحدان في وصف العلا
كبراءة مع سورة الأنفال
وقد أثبت من أدبه ما يستعير عرفه الريح الناسم ، ويحسد اتساقه الثغر الباسم . فمن
صفحة ١٨
ذلك قوله : ( الكامل ) """""" صفحة رقم 19 """"""
لعب الهوى بعقولنا من أجل أن
سلب الرقاد بمقلة وسناء
الخد منه كجلنار أحمر
والقد منه كصعدة سمراء
وقوله : ( الرمل )
من لقلبي في هوى عذب اللمى
من سبى الألباب لما ابتسما
مخجل الأغصان بالقد الذي
حمل البدر وفي حقف نما
ثالث البدرين نهاب النهى
من هواه في فؤادي خيما
وقلت أمدحه : ( الخفيف )
ميلة الغصن والقنا السمهري
أثر من قوامه الألفي
والذي يفعل الحسام نراه
مستفاد من لحظه السيفي
في سطاه يرى ظلوما ولكن
بانكسار الجفون مثل بري
سلبت مقلتاه كل فؤاد
أسرته بسحرها البابلي
وأراشت وسط القلوب سهاما
أرسلتها حواجب كالقسي
رشأ كم أمات يعقوب حزن
قبل يحظى بريحه اليوسفي
قام يجلو من الجبين صباحا
تحت ليل من فرعه المرخي
وأدار الكؤوس فينا ثلاثا
حين لم يدفع الظما بالري
كاس راح من راحتيه وكاسا
من رضاب وكاس خد ندي
فثملنا من قبل أن نعلم الإسكار
من أي خمر شهي
كان عيشي بها ابتهاج الأماني
في نعيم طلق وحظ بهي
نسمات الصبا العطير المساري
ومزاج الصبا الهني المري
في ربا وشيها زبرجد نبت
شب لما ارتوى بدر الولي
نام طفل النوار فيها هنيا
عندما اشتم زعفران العشي
ومن الورق ثم كل مناغ
راح يشجي بالوجد قلب الخلي
قام يثني على الرياض ثنائي
في البرايا على الفتى القاري
ماجد كل ماجد من علاه
مستفيد خلق الرضى المرضي
ملئت هيبة به العين حتى
لا ترى غير شخصه الأوحدي
يا له الخير وجه يمن إذا ما
لاح ولى بؤس الزمان الأبي
بحديث غض وطبع سليم
وكمال واف وعهد وفي
هو وسطى قلادة النظم جلت
صفحة ١٩
وتحلت بلفظه الجوهري """""" صفحة رقم 20 """"""
فرحة بامتداحه شق صدرا
كل شعر فنال أبهى الحلي
منجب في البنين أطلع فرعا
مثمر العرق بالكمال الجني
كوكب لفظه كدر لهذا
وسموه بالكوكب الدري
سيدي دمت في عناية رب
لك يرعى بلطف صنع خفي
هاك عذراء من يهم في سواها
ودع القلب في الهوى العذري
نسجت بردها يداي فجاءت
تتباهى بوشيه المروي
لك تولي عرف الثناء فتهدى
لكفي بكل مدح حري
فتمتع بها ودم في سرور
سابغ سائغ وعيش نقي
مع مولاي صالح وعلي
وحسين السامي بجاه النبي
3 - عبد السلام بن محمد الكاملي
ندب من طريق المجرة مصعده ، وفي بحبوحة فرق الفرقد مقعده . محاسنه تبهر في
الاتقاد ، وقد سلمت من التزييف والانتقاد . كأن الله عهد إلى اللطف أن يكون فكانه ،
فلهذا ترى مكانه في كل عضو من أعضاء المحبة مكانه . وهو من مرايا الباصرة أحق
بالنظر إليه من إغفائها ، ومن حوايا القلب أولى أن تكتنفه من سويدائها . يعز علي ،
ويكبر لدي ، ويحل مني محل عيني ويدي . قد أوتي فصاحة ولسنا ، يدع كل ما يلفظ
حسنا . ( الطويل )
فرقت معانيه ورق كلامه
فقلت هما لي روضة ومدام
خلقته مستوية ، وذاته للكمال محتوية . وله أدب بمثابة الروض اختضلت منه
الخمائل ، وشعره قد أشرب رقة الخصور ولطف الشمائل . فمن ذلك قوله في النارنج :
صفحة ٢٠
( الكامل ) """""" صفحة رقم 21 """"""
انظر إلى النارنج في أغصانه الخضر
اللواتي للنواظر ممتعه
كعقود ياقوت الحسان تبددت
فتلقطته يد الزبرجد مسرعه
ومن ذلك قول سيدنا الهمام عبد الغني النابلسي ، أمتع الله الناس بحياته ، فيه
أيضا : ( الوافر )
ألا قم بي إلى روض وريق
من الأنداء عذب فم وريق
ونارنج هناك كجمر نار
تظن الدوح منه في حريق
بدا في حلة خضراء تزهو
مزررة بأزرار العقيق
وتحسب دوحه طورا بساط الحرير
الأخضر البادي البريق
وصبغ الأرغوان عليه باد
كأمثال الدوائر يا رفيقي
أو الخد المورد من حياء
خلال عذاره النضر الأنيق
أو الأكر النضار تلقفتها
صوالج زبرج بيدي رشيق
يكاد ذوو التوهم من بعيد
يراه كروضة ذات الشقيق
ومن ذلك قول سيدنا عبد الكريم ، نقيب الأشراف : ( الخفيف )
ما شهدنا في الروض يا شجر النارنج
حقا سواك حاز المزيه
ورق من زبرجد نضر قد
زينته ثمارك العسجديه
ومنه قول السيد أسعد العبادي فيه : ( الطويل )
حكى أحمر النارنج في شجراته
وأزهاره لما تراءى لجلاسي
قناديل ياقوت بقضب زبرجد
مرصعة فيها حجارة ألماس
وقوله : ( الكامل )
وكأنما أشجار نارنج الربا
ولها الصبا أبدا يصل بجيتي
حسناء قد ماست بثوب أخضر
متكلل بفرائد الياقوت
ومن ذلك قول الفاضل محمد بن إبراهيم الدكدكجي ، رحمه الله تعالى : ( الطويل )
وأشجار نارنج كقامة غادة
عليها من الديباج حلتها الخضرا
وقد رفعت أطرافها ثم زررت
بأزرار تبر تسلب العقل والفكرا
ومن ذلك قول جامعه الفقير محمد المحمودي : ( م . الكامل )
وكأنما النارنج في
أغصانه بادي التبغدد
كرة العقيق تلقفتها
صولجان من زمرد
وقد نثر الجلنار على صفحات أوراق ، فشبهه المترجم بما رق وراق ، بقوله :
صفحة ٢١
( م . الكامل ) """""" صفحة رقم 22 """"""
وكأن سقط الجلنار على
طرس إلى البلور ذو نسب
وجه تعشقه الجمال فنقط
خده من خالص الذهب
وطلب من خاتمة البلغاء ، مولانا عبد الغني تشبيهه ، فقال : ( البسيط )
لا تعجبوا لانتشار الجلنار على
طرس لكم واعجبوا من صنعة الباري
بياض هذا بدا من تحت حمرة ذا
جل المؤلف بين الثلج والنار
وقال السيد أسعد العبادي فيه : ( م . الكامل )
كأن سقط الجلنار على الطرس
الذي بدا من الفضه
خد المليح وقد أشرت له
وغمزته في روضة غضه
وقال الفاضل عبد الرحمن بن عبد الرزاق : ( م . الرجز )
كأن سقط الجلنار
في أعالي الورق
آثار لثم قد بدت
فوق بياض العنق
ومن بدائع المترجم ، قوله مؤرخا في عذار : ( م . الكامل )
لما بدا خط العذار
بمطلع القمر الفريد
كمل الجمال فخلته
كالشمس في شرف السعود
فكأن خضرة نقشه
في صفحة الخد السعيد
قطع الزبرجد نظمت
فجعلن تيجان الخدود
أو نبت ريحان بدا
في لوح ياقوت نضيد
أو طلع نمام أتى
كيما ينم على الورود
أو نفحة المسك انبرت
فوفت بما ورد وعود
أو نظم ند خلته
ورق البنفسج في عقود
أو أرجل النمل انثنت
عن ورد مبسمه البرود
أو خط محراب الهدى
يصبي الحسان إلى السجود
أو مرسل في خده
يدعو إلى دار الخلود
أو سطر حسن رق لي
حسن التغزل والنشيد
قد قلت لما صاغه
قلم المحاسن في الخدود
كتب الجمال مؤرخا
خط الزبرجد بالورود
ومن معمياته قوله في علي : ( الرمل )
لاح شمسا فوق غصن يانع
زانه خال على خد نقي
خلت تحت الشمس لما أن بدا
صفحة ٢٢
طلع الورد بخديك يقي """""" صفحة رقم 23 """"""
وقوله في عمر : ( م . الوافر )
بروحي شادنا ألمى
ظريف القد ممتشقه
دنا واللحظ رائده
ورام القلب فاسترقه
وقوله في حسين : ( الكامل )
أفديه ظبيا بالدلال منعما
رود الشباب مورد الوجنات
عذب الثنايا والمقبل مترف
لولا التعوذ ذاب باللحظات
4 - محمد بن محمود الحبال
مد إلى الأفق ساعدا ، فتناول العيوق قاعدا . بهمة لا تقنع بمدار دون الفلك ،
وفكرة تكاد تستخلص نور الشمس إلى الحلك . وهو الآن مركز دائرة الانتفاع ، ولمن
سامته في الفضل الانخفاض وله الارتفاع . فعذبته على مناكب الجوزاء خافقة ، وبضاعته
لم تزل في سوق الرواج نافقة . ورأيه في تقويم ميل الزمان معتمد معتمل ، ومجال
المعرفة بفضله لا يحصره أمد وأمل . فلله من رزانة تستخف الجبال ، ووضاءة تدلي
الشمس للاستضاءة منها الحبال . وأدب تبلج بالإنارة ضوؤه ، وشعر لم يكذب في غرض
نوؤه . أتيتك منه بما يدل منه على صماده ونهاه ، ويحل ما بين سماك السمو وسهاه . فمنه
قوله ، حفظه الله تعالى : ( الطويل )
ولولا ثلاث هن همي إذا أمسي
لما بت مأثورا نهاري على أمسي
فتكميل نفسي بالعلوم ودرسها
وتهذيبها قبل المسير إلى الرمس
وتأميل إيفائي الحقوق لأهلها
وإنقاء ثوب النفس من دنس النجس
وزورة خير الخلق أفضل شافع
لأبرئها من ثقل وزر على النفس
أفاض عليه كل يوم تحية
مدى الدهر ما امتد الشعاع من الشمس
ويناسب أن يذكر هنا قول الإمام أبي السعود أفندي ، رحمه الله تعالى : ( الخفيف )
هذب النفس بالعلوم لترقى
وترى الكل فهي للكل بيت
إنما النفس كالزجاجة والعلم
صفحة ٢٣