86
من الفعل، نحو ظننت أن تخرج وأن خرجت، وإنما استعمل الظن بمعنى العلم في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ) لأمرين: أحدهما: تنبيه أن علم أكثر الناس في الدنيا بالإضافة إلى علمه في الآخرة كالظن في جنب العلم. والثاني: أن العلم الحقيقي في الدنيا لا يكاد يحصل إلا للنبيين والصديقين المعنيين بقوله: (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا. والظن متى كان عن أمارة قوية فإنه يمدح به، ومتى كان عن تخمين لم يعتمد ذُم به حيث قال تعالى: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) . وأما الفراسة: فالاستدلال بهيئات الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله على أخلاقه وفضائله ورذائله، وربما يقال: هي صناعة صيادة لمعرفة أخلاق الإنسان وأحواله، وقد نبَّه اللَّه تعالى على صدقها بقوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) وقوله: (تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ) وبقوله: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) . ولفظها من قولهم فرس: السبع الشاة، فكأن الفراسة اختلاس المعارف، وذلك ضربان: ضرب يحصل للإنسان عن خاطر لا يعرف سببه، وذلك ضرب من الإلهام، بل ضرب من الوحي، وإياه عني بقوله ﷺ: " المؤمن ينظر بنور الله "، وهو الذي يسمى صاحبه المروع والمحدث، وقال ﷺ: " إن يكن في أمتي محدث فهو عمر " وقيل في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) إن ما كان وحيًا بإلقائه في الروع، وذلك يكون للأنبياء كما قال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) وقد يكون لإلهام في حال اليقظة، وقد يكون في حال المنام؛ ولذلك قال ﵊:

1 / 145