الذريعة إلى مكارم الشريعة
محقق
د. أبو اليزيد أبو زيد العجمي
ياليت لي من جلد وجهك رقعة ... فأقد منها حافرًا للأشهب
وما أصدق قول الشاعر:
صلابة الوجه لم تغلب على أحد ... إلا تكمل فيه الشر واجتمعا
فأما مداواة اكتساب الحياء فحق الإنسان إذا همَّ بقبيح أن يتصور أجل من في نفسه حتى كأنه يراه، فالإنسان يستحي ممن يكبر في نفسه؛ ولذلك لا يستحي من الحيوان ولا من الأطفال، ولا من الذين لا يميزون، ويستحي من العالم أكثر مما يستحي من الجاهل، ومن الجماعة أكثر مما يستحي من الواحد.
والذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة:
البشر: وهم أكثر من يستحي منه، ثم نفسه، ثم اللَّه ﷿، ومن استحيا من الناس ولم يستحِ من نفسه فنفسه عنده أخس من غيره،
ومن استحيا منهما ولم يستحِ من اللَّه فلعدم معرفته بالله ﷿، فإن الإنسان يستحي ممن يعظمه ويعلم أنه يراه أو يسمع نجواه فيبكته، ومن لا يعرف اللَّه فكيف يستعظمه، وكيف يعلم أنه مطلع عليه.
وقول النبي ﷺ: (استحيوا من اللَّه حق الحياء " في
ضمنه حث على معرفته، وقال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤)
تنبيهًا على أن العبد إذا علم أن اللَّه يراه استحيا من ارتكاب الذنب، وقد سئل الجنيد ﵀ عما يتولد منه الحياء من اللَّه تعالى، فقال: رؤية العبد آلاء الله عليه، ورؤية تقصيره في شكره،
فإن قيل: كيف قال النبي ﷺ: " من لا حياء له فلا إيمان له "،؛ قيل: الحياء أول ما يظهر في الإنسان من أمارة العقل، والإيمان آخر مرتبة العقل، ومحال حصول آخر مرتبة العقل لمن لم يحصل له الرتبة الأولى فبالواجب إذا كان من لا حياء له فلا إيمان له.
وقال ﵊: " الحياء شعبة من الإيمان "، وقال: " الإيمان عريان
1 / 208