188

الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة

محقق

إحسان عباس

الناشر

الدار العربية للكتاب

مكان النشر

ليبيا - تونس

الغاية القصوى ومنتهاها، وينبوع آياتها، ومادة حياتها، وحقيقة ذاتها، وابن ساستها وأساتها، ومعنى أسمائها ومسمياتها، نادرة الفلك الدوار، وأعجوبة الليل والنهار؛ إن هزل فسجع الحمام، أو جد فزئير الأسد الضرغام؛ نظم كما اتسق الدر على النحور، ونثر كما خلط المسك بالكافور، إلى نوادر كأطراف القنا الأملود، تشق القلوب قبل الجلود، وجواب يجري مجرى النفس، ويسبق رجع الطرف المختلس.
وقد ذكره أبو مروان بن حيان في غير ما موضع من كتابه فقال: كان أبو عامر يبلغ المعنى ولا يطيل سفر الكلام، وإذا تأملته ولسنه، وكيف يجر في البلاغة رسنه، قلت عبد الحميد في أوانه، والجاحظ في زمانه. والعجب منه أنه كان يدعو قريحته إلى ما شاء من نثره ونظمه في بديهته ورويته، فيقود الكلام كما يريد من غير اقتناء للكتب، ولا اعتناء بالطلب، ولا رسوخ في الأدب، فإنه لم يوجد له، ﵀ فيما بلغني - بعد موته، كتاب يستعين به على صناعته، ويشحذ من طبعه إلا ما لا قدر له؛ فزاد ذلك في عجائبه، وإعجاز بدائعه. وكان في تنميق الهزل، والنادرة الحارة أقدر منه على سائر ذلك. وشعره حسن عند أهل النقد، تصرف فيه تصرف المطبوعين، فلم يقصر عن غايتهم.
وله رسائل كثيرة في فنون الفكاهة وأنواع التعريض والأهزال، قصار وطوال، برز فيها شأوه، وبقاها في الناس خالدة بعده. وكان في سرعة البديهة وحضور الجواب وحدته، مع رقة حواشي كلامه، وسهولة

1 / 192