ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا﴾ (الأحزاب: ٢٣) . فما هو إلا أن سطع لهم هذا الشهاب، وفتح بينهم وبين روح الله ذلك الباب، حتى نفروا خفافًا وثقالًا، وابتدروا بطاءً وعجالًا؛ ينظرون بعيون لم ترو من ماء وجه كريم، ويصغون بآذان لم تأنس بنغمة صديق حميم؛ قد كانوا يئسوا من هذا النشور ﴿كما يئس الكفار من أصحاب القبور﴾ (الممتحنة: ١٣) فاسألهم أي جانب يمموا، وبأي جناب خيموا، وإلى أي ملك لبابٍ أنجدوا وأتهموا؛ ويا رحمتا لبحور أدب، وصدور رتب، كان نظمني وإياهم ود قديم، ولف هواي بهواهم عهد كريم، لا منسي ولا مذموم؛ قد طال ما عطيتهم أكؤس الخمول، على البكاء والعويل؛ في أيام أوحش من توديع الشباب، وليال انكد من مناقشة الحساب؛ ألا يكونوا قد أخذوا على القضاء عهدًا مسؤولًا، ومتعوا بالبقاء ولو قليلًا؛ حتى يروا حظ الأدب كيف نفق، وعز الإسلام كيف اتفق، وشمل الجور كيف تصدع وتفرق؛ ويا حسرتا ألا ينشق عن حاتم ضريحه، ويعاد في جسمه روحه؛ فيرى أن الكرم بعده علم، وأن علو الهمم بغيره بدئ وختم.
ولما سمعت صوت المهيب، وتنسمت ريح الفرج القريب، ووجدت لسبيل التأمل مدرجًا، وجعل الله لي من ربقة الخمول مخرجًا؛ طالعت حضرته المقدسة بهذا الكتاب على حكمه، مطرزًا بسمته واسمه؛ مستدلًا بمجده، متوسلًا إليه بكرم عهده؛ ولعلمي أن الأدب ضالة اهتباله، ونتيجة خلاله، وأن أهله على ذكر من إجماله، وبمكان مكين من كماله؛ ولما سئلت أيضًا انتساخ هذا
1 / 21