وبه يعرف تفاضلها وتباينها؛ فلا بد أن نشير إليه، وننبه عليه؛ ونكل الأمر في كل ما نثبته، ونرد الحكم في كل ما نورده، إلى نقد النقدة المعرة، وتمييز الكتبة الشعرة، الذين هم رؤساء الكلام، وصيارفة النثار والنظام؛ فأما من رين على قلبه، وطبع بالجهل على لبه، فقد وضعت عنا وعنه، كلفة الاعتذار منه. وقد كان في وقتي من فرسان هذا الشان، من كان أجدر أن يجري بهذا الميدان، ويعرب عما أعربت فيه عن القوم بأفصح لسان، يثير فيه المعاني من مرابضها، وأشد عارضة يظهر بها الأعراض المقصودة في اجمل معارضها؛ لكني بما أقدمت عليه، وتصديت إليه، كالنسيم دل على الصبح، والسهم ناب عن الرمح؛ ولا أقول إني أغربت، لكن ربما بينت وأعربت؛ ولا أدعي أني اخترعت، ولكني لعلي قد أحسنت حيث اتبعت، وأتقنت ما جمعت، وتألفت عنن الشارد، وأغنيت عن الغائب بالشاهد؛ وتغلغلت بقارئه بين النظم والنثر، تغلغل الماء أثناء النور والزهر؛ وانتقلت من الجد إلى الهزل، انتقال الضحيان من الشمس إلى الظل، واستراحة البهير من الحزن إلى السهل؛ وتخللت ما ضممته من الرسائل والأشعار، بما اتصلت به أو قيلت فيه من الوقائع والأخبار؛ واعتمدت المائة الخامسة من الهجرة فشرحت بعض محتها، وجلوت وجوه فتنها، ولخصت القول بين قبيحها وحسنها؛ وأحصيت علل استيلاء طوائف الروم، على هذا الإقليم، وألمعت الأسباب التي دعت ملوكها
1 / 17