بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
اختلف أهل الصلاة في ذبائح أهل الكتاب، فقال جمهور العامة بإباحتها (1).
وذهب نفر من أوائلهم إلى حظرها (2).
صفحة ١٩
وقال جمهور الشيعة بحظرها (١).
وذهب نفر منهم إلى مذهب العامة في إباحتها (٢).
واستدل الجمهور من الشيعة على حظرها بقول الله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/6/121" target="_blank" title="الأنعام: 121">﴿ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون﴾</a> (3).
قالوا: فحظر الله سبحانه بتضمن هذه الآية، أكل كل ما لم يذكر عليه اسم الله من الذبائح، دون ما لم يرده من غيرها بالإجماع والاتفاق.
فاعتبرنا المعني بذكر التسمية أهو اللفظ بها خاصة، أم هو شئ ينضم إلى اللفظ، ويقع لأجله على وجه يتميز به مما يعمه وإياه الصيغة من أمثاله في الكلام. فبطل أن يكون المراد هو اللفظ بمجرده، لاتفاق الجميع على حظر ذبيحة كثير ممن يتلفظ بالاسم عليها، كالمرتد وإن سمى
صفحة ٢٠
تجملا (1). والمرتد عن أصل من الشريعة مع إقراره بالتسمية واستعمالها (2)، والمشبه لله تعالى بخلقه لفظا ومعنى، وإن دان بفرضها عند الذبيحة متدينا، والثنوية والديصانية والصابئين والمجوس.
تثبت (3) أن المعني بذكرها هو القسم الثاني من وقوعها على وجه يتخصص به من تسمية من عددناه وأمثالهم في الضلال، فنظرنا في ذلك، فأخرج لنا دليل الاعتبار أنها تسمية المتدين بفرضها على ما تقرر في شريعة الإسلام، مع المعرفة بالمسمى المقصود بذكره عند الذبيحة إلى استباحتها، دون من عداه، بدلالة حصول الحظر مع التسمية ممن أنكر وجوب فرضها، وتلفظ بها لغرض له دون التدين ممن سميناه، وحصوله أيضا مع تسمية المتدين بفرضها إذا كان كافرا يجحد أصلا من الشريعة لشبهة عرضت له، وإن كان مقرا بسائر ما سوى الأصل على ما بيناه، وحظر ذبيحة المشبه وإن سمى ودان بفرضها كما ذكرناه.
وإذا صح أن المراد بالتسمية عند الذكاة، ما وصفناه من التدين بفرضها على شرط ملة الإسلام، والمعرفة بمن سماه [لخروجه من اعتقاد ما يوجب الحكم عليه بجملة من ساير الحياة] (4).
ثبت حظر ذبائح أهل الكتاب، لعدم استحقاقهم من الوصف ما شرحناه، ولحوقهم في المعنى الذي ذكرناه بشركائهم في الكفر من المجوس والصابئين وغيرهما من أصناف المشركين والكفار.
صفحة ٢١
سؤال: فإن قال قائل: فإن اليهود وغيرهم تعرف الله جل اسمه، وتدين بالتوحيد، وتقربة، وتذكر اسمه على ذبائحها، وهذا يوجب الحكم عليها بأنها حلال.
جواب: قيل له: ليس الأمر على ما ذكرت، لا اليهود من أهل المعرفة بالله عز وجل حسب ما قدرت، ولا هي مقرة بالتوحيد في الحقيقة [كما توهمت] (١)، وإن كانت تدعي ذلك لأنفسها، بدلالة كفرها بمرسل محمد صلى الله عليه وآله، وجحدها لربوبيته، وإنكارها لإلهيته من حيث اعتقدت كذبه صلى الله عليه وآله، ودانت ببطلان نبوته.
وليس يصح الاقرار بالله عز وجل في حالة الانكار له، ولا المعرفة به في حالة الجهل بوجوده، وقد قال الله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/58/22" target="_blank" title="المجادلة: 22">﴿لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله﴾</a> (٢) وقال: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/5/81" target="_blank" title="المائدة: 81">﴿ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء﴾</a> (٣)، وقال: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/4/65" target="_blank" title="النساء: 65">﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما﴾</a> (4).
ولو كانت اليهود عارفة بالله تعالى، وله موحدة، لكانت به مؤمنة، وفي نفي القرآن عنها الإيمان، دليل على بطلان ما تخيله الخصم.
صفحة ٢٢
فصل على أن ما يظهره اليهود من الاقرار بالله عز اسمه وتوحيده، قد يظهر من مستحل الخمر بالشبهة، ويقترن إلى ذلك إقراره بنبوة محمد صلى الله عليه وآله، والتدين بما جاء به في الجملة، وقد أجمع علماء الأمة على أن ذبيحة هذا محرمة، وأنه خارج عن جملة من أباح الله تعالى أكل ذبيحته بالتسمية، فاليهود أولى بأن تكون ذبائحهم محرمة لزيادتهم عليه في الكفر والضلال أضعافا مضاعفة.
فصل مع أنه لا شئ يوجب جهل المشبهة بالله عز وجل إلا وهو موجب جهل اليهود والنصارى بالله، ولا معنى يحصل لهم الحكم بالمعرفة، مع إنكارهم لإلهية مرسل محمد صلى الله عليه وآله وكفرهم به، إلا وهو يلزم صحة الحكم على المشبهة بالمعرفة، وإن اعتقدوا أن ربهم على صوره الإنسان، بعد أن يصفوه بما سوى ذلك من صفات الله عز وجل، وهذا ما لا يذهب إليه أحد من أهل المعرفة، وإن ذهب علمه على جميع المقلدة.
على أنه ليس أحد من أهل الكتاب يوجب التسمية، ولا يراها عند الذبيحة فرضا، وإن استعملها منهم إنسان، فلعادة مخالطة [من أهل الإسلام، أو التجمل بذلك والاستحباب، وهذا القدر كاف في تحريم ذبايحهم بما قدمناه] (1).
صفحة ٢٣
فصل مع أن مخالفينا لا يفرقون بين ذبائح اليهود والنصارى، وليس في جهل النصارى بالله عز وجل وعدم معرفتهم به لقولهم بالأيام (1)، والجواهر، والأب، والابن، والروح، والاتحاد شك ولا ريب.
وإذا ثبت حظر ذبائح النصارى بما وصفناه، وجب حظر ذبائح اليهود، للاتفاق على أنه لا فرق بينهما في الإباحة والتحريم.
فصل وشئ آخر، وهو أنه متى ثبت لليهود والنصارى بالله عز وجل معرفة، وجب بمثل ذلك أن للمجوس بالله تعالى معرفة، ولعبدة الأصنام من قريش ومن شاركهم في الاقرار بالله تعالى معرفة، واعتقادهم بعبادة الأصنام القربة إليه عز اسمه، فإن كان كفر اليهود والنصارى لا يمنع من استباحة ذبائحهم لإقرارهم في الجملة بالله تعالى، فكفر من عددناه لا يمنع أيضا من ذلك، وهذا خلاف للاجماع، وليس بينه وبين ما ذهب إليه الخصم فرق مع ما اعتمدناه من الاعتلال.
فصل ومما يدل أيضا على حظر ذبائح اليهود وأهل الكتاب وجميع الكفار، أن الله جعل اسمه جعل التسمية في الشريعة شرطا في استباحة الذبيحة،
صفحة ٢٤
وحظر الاستباحة على الشك والريب، فوجب اختصاصها بذبيحة الدائن بالشريعة، المقر بفرضها، دون المكذب بها، المنكر لواجباتها، إذا كان غير مأمون على نبذها، والتعمد لترك شروطها لموضع كفره بها، والقربة بإفساد أصولها، وهذا موضح عن حظر ذبائح كل من رغب عن ملة الإسلام.
فصل وشئ آخر، وهو أن القياس المستمر في السمعيات، على مذاهب خصومنا يوجب حظر ذبائح أهل الكتاب من قبل أن الاجماع حاصل على حظر ذبائح كفار العرب، وكانت العلة في ذلك كفرهم، وإن كانوا مقرين بالله عز وجل، فوجب حظر ذبايح اليهود والنصارى لمشاركتهم من ذكرناه في الكفر، وإن كانوا مقرين لفظا بالله جل اسمه على ما بيناه.
وشئ آخر، وهو أنا وجمهور مخالفينا نرى إباحة من سها عن ذكر الله من المسلمين لما يعتقد عليه من النية من فرضها (١)، فوجب أن يكون ذبيحة من أبى فرض التسمية محظورة، وإن تلفظ عليها بذكرها، وهذا مما لا محيص عنه.
سؤال فإن قالوا فما تصنعون في قول الله عز وجل: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/5/5" target="_blank" title="المائدة: 5">﴿اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم﴾</a> (2)
صفحة ٢٥
وهذا صريح في إباحة ذبائح أهل الكتاب.
جواب: قيل له: قد ذهب جماعة من أصحابنا إلى أن المعنى في هذه الآية من أهل الكتاب، من أسلم منهم وانتقل إلى الإيمان، دون من أقام على الكفر والضلال، وذلك أن المسلمين تجنبوا ذبائحهم بعد الإسلام كما كانوا يتجنبونها قبله، فأخرهم الله تعالى بإباحتها، لتغير أحوالهم عما كانت عليه من الضلال.
قالوا: وليس بمنكر أن يسميهم الله أهل كتاب وإن دانوا بالإسلام كما سمى أمثالهم من المنتقلين عن الذمة إلى الإسلام، حيث يقول:
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/3/199" target="_blank" title="آل عمران: 199">﴿وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليهم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب﴾</a> (1) فأضافهم بالنسبة إلى الكتاب وإن كانوا على ملة الإسلام، فهكذا تسمى من أباح ذبيحته من المنتقلين عما لزمه، وإن كانوا على الحقيقة من أهل الإيمان والإسلام.
وقال الباقون من أصحابنا: إن ذكر طعام أهل الكتاب في هذه الآية يختص بحبوبهم وألبانهم، وما شاكل ذلك دون ذبائحهم، بما قدمنا ذكر من الدلائل وشرحناه من البرهان، لاستحالة التضاد بين حجج الله تعالى والقرآن، ووجوب خصوص الذكر بدلائل الاعتبار، وهذا كاف لمن تأمله.
سؤال: فإن قال قائل: خبروني عما ذهبتم إليه من تحريم ذبائح أهل الكتاب أهو شئ تأثرونه عن أئمتكم من آل محمد عليهم السلام أم حجتكم فيه ما تقدم لكم من الاعتبار دون السماع [الشياع] من جهة
صفحة ٢٦
النقل والأخبار؟!
جواب: قيل له: عمدتنا في ذلك أقوال أئمتنا الصادقين من آل محمد صلى الله عليه وآله وما صح عندنا من حكمهم به، وإن كان الاعتبار دليلا قاطعا عند ذوي العقول والأديان، فإنا لم نصر إليه من ذلك دون ما ذكرناه من الأثر ووصفناه.
فإن قال: فإنني لم أقف من قبل على شئ ورد من آل محمد عليهم السلام في هذا الباب فاذكروا جملة من الروايات فيه لأضيف مفهومه إلى ما قد استقر عندي العلم به من دليل القرآن، على ما رتبتموه من الاستدلال.
قيل له: أما إذا آثرت ذلك للبيان، فإنا مثبتوه لك والله الموفق للصواب.
أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه جميعا، عن محمد بن يعقوب الكليني، عن علي ابن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن المفضل بن صالح، عن زيد الشحام قال: سئل الصادق جعفر بن محمد عليه السلام عن ذبيحة الذمي، فقال: لا تأكلها، سمى أم لم يسم (1).
أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن محمد بن يحيى الخثعمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
أتاني رجلان أظنهما من أهل الجبل، فسألني أحدهما عن الذبيحة - يعني
صفحة ٢٧
ذبيحة أهل الذمة - فقلت في نفسي: والله لأبرد لكما على ظهري، لا تأكل.
قال محمد بن يحيى: فسألت أنا أبا عبد الله عليه السلام عن ذبيحة اليهود والنصارى، فقال: لا تأكل (1).
أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه، عن سعد ابن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن شعيب العقرقوفي، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ومعنا أبو بصير وأناس من أهل الجبل يسألونه عن ذبائح أهل الكتاب، فقال لهم أبو عبد الله عليه السلام: قد سمعتم ما قال الله عز وجل في كتابه، فقالوا له: نحب أن تخبرنا أنت. فقال: لا تأكلوها.
قال: فلما خرجنا من عنده قال لي أبو بصير: كلها، فقد سمعته وأباه جميعا يأمران بأكلها، فرجعنا إليه فقال لي أبو بصير: سله، فقلت:
جعلت فداك ما تقول في ذبائح أهل الكتاب؟
فقال: أليس قد شهدتنا اليوم بالغداة وسمعت؟.
قلت: بلى.
قال: لا تأكلها.
فقال لي أبو بصير: كلها وفي عنقي. ثم قال: سله ثانية، فسألته، فقال لي مثل مقالته الأولى: لا تأكلها.
فقال لي أبو بصير: سله ثالثة، فقلت: لا أسأله بعد مرتين (2).
صفحة ٢٨
وأخبرني عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير، عن الحسين بن المنذر، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا قوم نختلف إلى الجبل، والطريق بعيد بيننا وبين الجبل فراسخ، فنشتري القطيع والاثنين والثلاثة، فيكون في القطيع ألف وخمسمائة وألف وستمائة، وألف وسبعمائة شاة، فتقع الشاة والاثنتان والثلاثة، فنسأل الرعاة الذين يجيئون بها عن أديانهم، فيقولون: نصارى، فأي شئ. قولك في ذبائح اليهود والنصارى؟ فقال لي: يا حسين هي الذبيحة، والاسم لا يؤمن عليه إلا أهل التوحيد.
ثم إن حنانا لقي أبا عبد الله عليه السلام، فقال: إن الحسين بن المنذر روى عنك أنك قلت: إن الذبيحة لا يؤمن عليها إلا أهلها، فقال عليه السلام: إنهم أحدثوا - فيها شيئا.
قال حنان: فسألت نصرانيا، فقلت: أي شئ تقولون إذا ذبحتم؟
فقال: نقول باسم المسيح (1).
أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحسين ابن عبد الله بمثل معنى الأول (2).
وعنه، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحسين ابن عبد الله قال: اصطحب المعلى بن خنيس وعبد الله بن أبي يعفور في سفر، فأكل أحدهما ذبيحة اليهود والنصارى، فامتنع الآخر من أكلها، فلما اجتمعا عند أبي عبد الله عليه السلام أخبراه بذلك، فقال عليه
صفحة ٢٩
السلام: أيكما الذي أبى؟ فقال المعلى: أنا. فقال له: أحسنت (١).
أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب عن علي ابن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين الأحمسي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال له رجل: أصلحك الله إن لنا جارا قصابا فيجيئ بيهودي فيذبح له، حتى يشتري منه اليهود، فقال: لا تأكل من ذبيحته ولا تشتري منه (٢).
وبهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن قتيبة الأعشى، قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده، فقال له: الغنم يرسل فيها اليهودي والنصراني، فيعرض فيها العارض، فيذبح، أنأكل ذبيحته؟
فقال أبو عبد الله عليه السلام: لا تدخل ثمنها مالك، ولا تأكلها، فإنما هو الاسم، ولا يؤمن عليه إلا مسلم.
فقال له الرجل: فما نصنع في قول الله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/5/5" target="_blank" title="المائدة: 5">﴿اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم﴾</a> (3).
فقال أبو عبد الله عليه السلام: كان أبي يقول: إنما هي الحبوب (4).
صفحة ٣٠
وبهذا؟ الإسناد عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذبائح أهل الكتاب قال فقال: والله ما يأكلون ذبائحكم، فكيف تستحلون أكل ذبائحهم، إنه هو الاسم ولا يؤمن عليها إلا مسلم (1).
وبهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد ابن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي المغرا، عن سماعة، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر قال: سألته عن ذبيحة اليهود والنصارى، فقال:
لا تقربوها (2).
فهذه جملة مما ورد عن أئمة آل محمد صلى الله عليه وآله في تحريم ذبائح أهل الكتاب، قد ورد من الطرق الواضحة بالأسانيد المشهورة، وعن جماعة بمثلهم - في الستر والديانة والثقة والحفظ والأمانة - يجب العمل، وبمثلهم في العدد يتواتر الخبر، ويجب العمل لمن تأمل ونظر، وإذا كان هذا هكذا ثبت ما قضينا به من ذبائح أهل الكتاب والحمد لله.
فأما من تعلق من شذاذ أصحابنا في خلاف مذهبنا بما رواه أبو بصير وزرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن ذبيحة أهل الكتاب فأطلقها (3).
فإن لذلك وجهين أحدهما التقية من السلطان، والاشفاق على
صفحة ٣١
شيعته من أهل الظلم والطغيان، إذ القول بتحريمها خلاف ما عليه جماعة الناصبية وضد لما يفتي به سلطان الزمان، ومن قبله من القضاة والحكام.
والثاني ما رواه يونس بن عبد الرحمن عن معاوية بن وهب قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذبائح أهل الكتاب، فقال: لا بأس إذا ذكروا اسم الله عز وجل، وإنما (1) أعني منهم من يكون على أمر موسى وعيسى (2).
فاشترط عليه الاسم وقد بينا أن ذلك لا يكون من كافر لا يعرف المسمى ومتى سمى فإنه يقصد به إلى غير الله جل وعز. ثم إنه اشترط أيضا فيه اتباع موسى وعيسى وذلك لا يكون إلا لمن آمن بمحمد صلى الله عليه وآله واتبع موسى وعيسى عليهما السلام في القبول منه، والاعتقاد لنبوته، وهذا ضد ما توهمه المستضعف من الشذوذ، والله الموفق للصواب.
* * *
صفحة ٣٢