بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة

عبد المتعال الصعيدي ت. 1391 هجري
79

بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة

الناشر

مكتبة الآداب

رقم الإصدار

السابعة عشر

تصانيف

وإما لتنبيه المخاطب على خطئه؛ كقول الآخر "من الكامل": إن الذين تُرَوْنَهم إخوانكم ... يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا١ وإما للإيماء إلى وجه بناء الخبر٢؛ نحو: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠] . ثم إنه٣ ربما جعل ذريعة إلى التعريض بالتعظيم لشأن الخبر٤، كقوله "الكامل": إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول٥ أو لشأن غيره٦ نحو: ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٩٢] . قال السكاكي٧: "وربما جُعل ذريعة إلى تحقيق الخبر"؛ كقوله "من البسيط": إن التي ضربت بيتا مهاجرة ... بكوفة الجند غالت وُدّها غُول٨ وربما جعل ذريعة إلى التنبيه للمخاطب على خطأ؛ كقوله: "إن الذين ترونهم...." "البيت". وفيه نظر؛ إذ لا يظهر بين الإيماء إلى وجه بناء الخبر وتحقيق الخبر فرق٩، فكيف يجعل الأول ذريعة إلى الثاني، والمسند إليه في البيت الثاني ليس فيه إيماء إلى وجه بناء الخبر عليه، بل لا يبعد أن يكون فيه إيماء إلى بناء نقيضه عليه١٠؟!

١ هو لعبدة بن الطبيب في وعظ بنيه، وقيل لغيره، وقوله: "ترونهم" بمعنى: تظنونهم، والواو فيه فاعل؛ لأنه مما يبنى على صورة المجهول وهو للفاعل، ويجوز أن يكون من "أرى" المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل، والغليل: العطش الشديد أو الحقد. والشاهد في أن الموصول في البيت يفيد من تخطئتهم في ظنهم ما لا يفيده قوله: إن فلانا وفلانا. ٢ أي: طريق إسناده إلى الموصول من كونه مدحا أو ذما أو نحوهما، بأن يُذكر في الصلة ما يناسب ذلك. ٣ الضمير يعود إلى الإيماء، إلى وجه بناء الخبر. ٤ ربما جُعل ذريعة أيضا إلى الإهانة لشأنه؛ كقولك: "إن الذي لا يُحسن الفقه صنّف فيه"، أو شأن غيره، كقولك: إن الذي يتبع الشيطان خاسر. ٥ هو لهمام بن غالب المعروف بالفرزدق، يفتخر ببيته في تميم على جرير؛ لأنه كان من ذوي الشرف فيهم، وليس المراد بالبيت الكعبة كما ذكر الدسوقي في حاشيته على المختصر، وقوله: "سمك" بمعنى رفع. والشاهد في أن قوله: "الذي سمك السماء" إيماء إلى أن الخبر المبنيّ عليه من جنس الرفعة والبناء، وأعز وأطول أي: من بيت جرير، أو من كل عزيز وطويل، أو من السماء المذكورة قبله، أو بمعنى عزيزة طويلة، فيكون أفعل التفضيل على غير بابه، وقد حذفت "مِنْ" على الأول؛ للدلالة على قوة الخبر. ٦ كشعيب ﵇ في الآية؛ لأن فيها إيماء إلى الخبر يُشعر بتعظيمه، إذ جعل خسرانهم بسبب تكذيبه، وفيها إيماء أيضا إلى أن الخبر من جنس الخسران. ٧ المفتاح ص٩٧. ٨ هو لعبدة بن الطبيب. وكوفة الجند هي مدينة الكوفة، وروى أبو زيد: "بكوفة الخلد" على أنه موضع، وقال الأصمعي: إنما هو "بكوفة الجند"، والأول تصحيف. وقوله: "غالت" بمعنى أكلت، والغول: حيوان خرافي وقد يطلق على الداهية. والشاهد في أن ضرب البيت بالكوفة والهجرة إليها فيه إيماء إلى أن طريق بناء الخبر أمر من جنس زوال المحبة، وهو مع هذا يحقق زوال المودة ويُقره حتى كأنه دليل عليه. ٩ فرق بينهما بأن الإيماء إشعار بالخبر سواء أكان معه تحقيق له م لا، والأول كما في بيت عبدة، والثاني كما في بيت الفرزدق، فالإيماء إلى الخبر أعم من تحقيقه وإفادة الجزم به. ١٠ نقيضه: نفي الأخوة عنهم، وهذا لا يخرجه فيما أرى عن كونه فيه إيماء إلى وجه بناء الخبر؛ لأنهم أطلقوا فيه ولم يقيدوه بشيء، ومن هذا الإيماء قول أبي العلاء "من السريع": إن الذي الوحشة في داره ... تؤنسه الرحمة في لحده وربما يقصد بالإيماء تشويق السامع إلى الخبر ليتمكن في نفسه، كما في قول الشاعر "الخفيف": والذي حارت البرية فيه ... حيوان مستحدث من جماد ومن أغراض التعريف بالموصولية إخفاء الأمر عن غير المخاطب، كقول الشاعر "الكامل": وأخذت ما جاد الأمير به ... وقضيت حاجاتي كما أهوَى

1 / 81