111

بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة

الناشر

مكتبة الآداب

رقم الإصدار

السابعة عشر

تصانيف

مشاركته فيه؛ كقولك: "أنا كتبت في معنى فلان، وأنا سعيت في حاجته"؛ ولذلك إذا أردتَ التأكيد قلتَ للزاعم في الوجه الأول: "أنا كتبت في معنى فلان لا غيري" ونحو ذلك، وفي الوجه الثاني: "أنا كتبت في معنى فلان وحدي". فإن قلت: "أنا فعلت هذا وحدي" في قوة "أنا فعلته لا غيري" فلِمَ اختص كل منهما بوجه من التأكيد دون وجه؟ قلت: لأن جدوى التأكيد لما كانت إماطة شبهة خالجت قلب السامع، وكانت في الأول أن الفعل صدر من غيرك، وفي الثاني أنه صدر منك بشركة الغير، أكدت وأمطت الشبهة في الأول بقولك: "لا غيري"، وفي الثاني بقولك: "وحدي"؛ لأنه مَحَزُّه، ولو عكست أحلْت١. ومن البين في ذلك٢ المَثل: "أتُعلمني بضب أنا حَرَشْتُه؟! "٣. وعليه قوله تعالى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ [التوبة: ١٠١] أي: لا يعلمهم إلا نحن، ولا يطلع على أسرارهم غيرنا؛ لإبطانهم الكفر في سُوَيداوات قلوبهم. الثاني: ما لا يفيد إلا تقوِّي الحكم وتقرره في ذهن السامع وتمكنه، كقولك: "هو يعطي الجزيل" لا تريد أن غيره لا يعطي الجزيل، ولا أن تعرض بإنسان، ولكن تريد أن تقرر في ذهن السامع وتحقق أنه يفعل إعطاء الجزيل، وسبب تقويه هو أن المبتدأ يستدعي أن يستند إليه شيء، فإذا جاء بعده ما يصلح أن يستند إليه صرفه إلى نفسه، فينعقد بينهما حكم سواء كان خاليا عن ضميره؛ نحو: "زيد غلامك"، أو متضمنا له، نحو: "أنا عرفت، وأنت عرفت، وهو عرف أو زيد عرف"، ثم إذا كان

١ يعني: حوّلت كلا منهما عن موضعه المناسب له؛ لأن "لا غيري" تدل صريحا على نفي صدوره من غيرك، أما "وحدي" فيدل عليه التزاما، وكذلك "وحدي" يدل صريحا على نفي الشركة، أما "لا غيري" فيدل عليه التزاما. ٢ أي: في إفادة التخصيص. ٣ حرشته بمعنى صدته. والمثل يضرب لمن يخبرك بشيء أنت أعلم به منه.

1 / 113