بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
الناشر
مكتبة الآداب
رقم الإصدار
السابعة عشر
تصانيف
على كل واحد منهم سوى زيد١. وقد سبق أن ما يفيد التقديم ثبوته لغير المذكور هو ما نُفي عن المذكور، فيكون الأول مقتضيا لأن إنسانا غير المتكلم قد رأى كل الناس، والثاني مقتضيا لأن إنسانا غير المتكلم قد ضرب مَنْ عدا زيدا منهم؛ وكلاهما محال. وعلل الشيخ عبد القاهر والسكاكي٢ امتناع الثاني بأن نقض النفي بـ "إلا" يقتضي أن يكون القائل له قد ضرب زيدا، وإيلاء الضمير حرف النفي يقتضي ألا يكون ضربه، وذلك تناقض.
وفيه نظر؛ لأنا لا نسلم أن إيلاء الضمير حرف النفي يقتضي ذلك، فإن قيل: الاستثناء الذي فيه مفرَّع، وذلك يقتضي ألا يكون ضرب أحدا من الناس، وذلك يستلزم ألا يكون ضرب زيدا؛ قلنا: إن لزم ذلك٣ فليس للتقديم؛ لجريانه في غير صورة التقديم أيضا؛ كقولنا: "ما ضربت إلا زيدا".
هذا إذا ولي المسند إليه حرف النفي، وإلا فإن كان معرفة؛ كقولك: "أنا فعلت" كان القصد إلى الفاعل٤، وينقسم قسمين:
أحدهما: ما يفيد تخصيصه بالمسند٥ للرد على من زعم انفراد غيره به، أو
١ لا يخفى أن هذا ليس هو المنفي في المثالين وإلا كانا من سلب العموم لا من عموم السلب، وإنما المنفي في الأول رؤية أي واحد من الناس وفي الثاني ضرب أي واحد سوى زيد، وعلى هذا يكون مفهوم المثالين أن إنسانا غير المتكلم رأى واحدا من الناس وضرب أي واحد سوى زيد، وهو صحيح لا شيء فيه، وإنما الذي يؤدي إلى ما ذكره الخطيب أن يقال: ما أنا رأيت كل رجل، وما أنا ضربت كل رجل إلا زيدا. ٢ دلائل الإعجاز ص٨٥، المفتاح ص١٢٥. ٣ الحق أنه لا يلزم؛ لأن إيلاء الضمير حرف النفي إنما يقتضي نفي ما عدا المستثنى، وما ذكره عبد القاهر والسكاكي إنما هو غفلة منهما. ٤ أي: لا إلى الفعل كما في النفي. ٥ يعني قصر المسند عليه، ويلزمه أيضا تقوية الحكم كما في القسم الثاني، ولكنها تحصل هنا تبعا لا قصدا.
1 / 112