287

دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين ط مكتبة السنة

الناشر

مكتبة السنة

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٩٨٩ م

تصانيف

والعمل به، فلو أن القرآن جاء مشتملًا على كل شيء على التفصيل لشق على الأمة حفظه بل ولما استطاعوا.
إِذًا كان لا بد لهم، لكي يعرفوا حكم الله فيما يعرض لهم من أمور دينية ودنيوية، ولكي يشبعوا رغبتهم في العلم بالقرآن وأسراره، والعلم بكل ما اشتمل عليه من عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاقيات، وسياسات وغيرها، من الرجوع إلى الرسول ﷺ الذي بعث مبشرًا ونذيرًا، ومعلما، وهاديا إلى الصراط المستقيم
ولقد استفاض وتواتر أن الرسول ﷺ كان المرجع للمسلمين في كل شيء سواء في ذلك رجالهم ونساؤهم حتى لقد كانوا يسألون الرسول ﷺ عن أمورهم الخاصة التي تتعلق بالغسل، والحيض، والنفاس، وكيفية التطهر بل والاحتلام وكان النبي ﷺ يبين لهم كل ذلك بصراحة عن غير خدش للحياء، ولا انتهاك لحرمات، وكانت النساء كثيرًا ما يستعن بأمهات المؤمنين في معرفة ما يمنعهن الحياء من المصارحة به، والنبي ﷺ يجيب في كل ذلك بما يوحى إليه به وهو الغالب والكثير أو بما يؤديه إليه اجتهاده، وهو ﷺ كان يجتهد على ما عليه المحققون من العلماء، ولكن ما كان يقر على الخطأ في الاجتهاد وسكوت الوحي على ما اجتهد فيه يقوم مقام تقرير الله تعالى له على اجتهاده.
وعلى هذا الأساس كان ينظر الصحابة إلى ما يصدر عن الرسول ﷺ مِمَّا مَرَدُّهُ إلى التشريع بل وكانوا يجوزون في أمور دنياهم كأمور الحرب والسياسة أن تكون بوحي من الله، وليس أدل على هذا من قول الحُبَابِ بْنِ المُنْذِرِ للنبي ﷺ في غزوة بدر: «أَهَذَا مَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَمَ أوْ نَتَأَخَّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟» فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «بَلِ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ» فأشار عليه الْحُبَابُ (١) بمنزل آخر فنزل النبي على مشورته إذا لا بد بعد التسليم بهذا - ولا بد من التسليم - من أن نعتقد أنه كانت هناك ثروة طائلة تتعلق بتفسير القرآن الكريم وبيانه بشتى وجوه البيان، وبغير تفسير القرآن وبيانه من الأحكام التي استقلت السنة

(١) الحُبَابُ: بضم الحاء، وفتح الباء المخففة الممدودة، آخره باء موحدة.
الحقيقة الثانية:
حرص الصحابة رضوان الله عليهم حرصا بالغا عما يصدر عن الرسول المشرع ﷺ، وإحلاله محل النفس والروح، وقد كان من دواعي حفظ الصحابة ما يرد عن الرسول وفهمه والعلم به، والعمل، وحرصهم عليه أمور:

1 / 288