دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد
الناشر
مکتبة دار المنهاج
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٥ م
مكان النشر
للنشر والتوزيع - الملكة العربية السعودية الرياض
تصانيف
قولُ مَن رَدّ هذا الحديث وعارضه بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الزمر: ٧] ...) (^١)
وهذا التقرير هو على تَقْدير التسليم بأن ظاهر الحديث هو ما ظنه. والحقيقة: أن ظاهره لا ينافيه العقل؛ فضلًا عن الدلائل النقلية. والذي ظنه منافيًا لهذا الظاهر، ليس هو مدلوله ولا ظاهره.
بيان ذلك: أنّه قَصَرَ معنى العذاب على العقاب. والصواب: أَنَّ العذاب أَعمّ من العقاب؛ فكل عِقابٍ عذاب، لا العكس. ومما يبرهن على هذه الدَّعوى الدَّلائل التالية:
- تسمية الله تعالى على لسان أيوب ﵇ ما ابْتَلِى به عبدَه عذابًا فقال: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (٤١)﴾ ص: ٤١ والعذاب هنا بمعنى: الضُرّ في بدنه، وأهله الذي ابتلاه الله به (^٢)، لا على سبيل العقوبة له ﵇؛ وإنما ابتلاءٌ له.
ومن البراهين الدالة على بطلان قصر مفهوم العذاب على العقاب: ما صح عن النبي ﷺ من حديث أبي هريرة ﵁ أنه قال: (السَّفرُ قطعةٌ من العَذَابِ يمنع أَحدكم طعامَه وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نَهْمَتَهُ من سَفَرِه فَلْيعجِّل بالرجوع إلى أهله) (^٣) فَسَمَّى النبي ﷺ السَّفر قطعةً من العذاب. ومن المعلوم أنه إنما أراد الألم الحَاصِلَ للمسافر على جهة العِقَاب.
ومن براهين ذلك أيضًا: أن من العقوبات ما يصيب غيرَ المعاقب؛
(^١) "فتح الباري" (٣/ ١٩٧ - ط دار السلام) (^٢) انظر: "جامع البيان" لابن جرير (٢٠/ ١٠٦ - ١٠٧ - ط دار هجر)، و"معاني القرآن وإعرابه" للزجاج (٤/ ٣٣٤) (^٣) رواه البخاري في كتاب: "العمرة" باب "السفر قطعة من العذاب" (٣/ ٨ - رقم [١٨٠٤])
1 / 66