دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد
الناشر
مکتبة دار المنهاج
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٥ م
مكان النشر
للنشر والتوزيع - الملكة العربية السعودية الرياض
تصانيف
الاعتراض الثاني؛ وهو: أنّ تعظيم النبي ﷺ واجبٌ، وشدّ الرحال إلى قبره تعظيم = فشدّ الرحل إلى قبره واجب.
فيقال: إن مما لا يُخامر مسلمًا أنّ تعظيم النبي ﷺ من لوازم شهادة أن محمدًا رسولُ الله؛ فهو من أعظم الواجبات، ومن أجلّ القربات، ومن مقتضيات الإيمان. ولا يتأتّى إيمانٌ بلا تعظيم، ومَن خلا قلبُه من تعظيم رسول الله ﷺ فلا امتراء في كفره. والأدلّة على وجوب تعظيمه ﷺ كثيرة. ولكنّ " التعظيم " أصبح من الأحرف المُجْمَلة التي يندرجُ تحتها ما هو حقٌّ مطلوبٌ، وما هو باطلٌ مرفوضٌ. ومِن صور التعظيم ما جعله الله شركًا، أوجبَ لأصحابه البُعد والكفر، واستحقاق العذاب الأليم في النار، والخلود فيها.
فمناط كفر النصارى: رفعُهم لمرتبة نبي الله عيسى ﵇ من رتبة العبودية والرسالة إلى رتبة الخالق ﷾.
قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة، آية: ٧٢]. فما كان ما ظنّوه تعظيمًا لنبي الله عيسى ﵇ شافعًا لهم عند الله، ولا مُنْجيًا لهم من استحقاق عذابه، وسخطه، وذَمّه.
وقارَفَ أقوامٌ الشركَ الأكبرَ باسم تعظيم النبي ﷺ، فصرفوا أنواعًا من العبادة؛ كالاستغاثة بالنبي ﷺ، ودعائه، والمبالغة في إطرائه، ووصفه بما هو من خصائص الله ﵎؛ حتى قال بعضُ غُلاتِهم:
يا نبيَّ الهُدى استغاثَةُ ملْهُو ... فٍ أَضَرَّتْ بحالِه الحوبَاءُ
يَدّعي الحُبَّ وهو يأمر بالسُّو ... ءِ ومَن لي أن تصدق الرَّغباءُ
هذه عِلّتي وأنت طبيبي ... ليس يخفى عليك في القلبِ داءُ
ومِن الفوز أن أبثَّك شكوى ... هي شكوى إليك وهي اقتضاءُ (^١)
(^١) "الهمزية " للبوصيري (١/ ٩٤=المنح المكية للهيتمي)
1 / 224