وقد حفظ لنا التاريخ نص هذه الخطة وهاك هي: «... إن القوم قد فصلوا من الرقة فبادروهم إلى عين الوردة، فاجعلوا المدينة في ظهوركم ويكون الرستاق والماء والمادة في أيديكم وما بين مدينتنا ومدينتكم فأنتم له آمنون ... اطووا المنازل الساعة إلى عين الوردة، فإن القوم يسيرون سير العساكر وأنتم على خيول ... وإن بدرتموهم إلى عين الوردة فلا تقاتلوهم في فضاء ترامونهم وتطاعنونهم، فإنهم أكثر منكم، فلا آمن أن يحيطوا بكم، ولا تقفوا لهم ترامونهم وتطاعنونهم، فإنه ليس لكم مثل عددهم، فإن استهدفتم لهم لم يلبثوا أن يصرعوكم، ولا تصفوا لهم حين تلقونهم فإني لا أرى معكم رجالة ولا أراكم كلكم إلا فرسانا والقوم لاقوكم بالرجال والفرسان، فالفرسان يحمي رجالها والرجال يحمي فرسانها، وأنتم ليس لكم رجال يحمي فرسانكم فالقوهم في الكتائب ... ثم بثوها ما بين ميمنتهم وميسرتهم، واجعلوا مع كل كتيبة إلى جانبها، فإن حمل على إحدى الكتيبتين ترجلت الأخرى فنفست كتيبة عنها الخيل والرجال، ومتى شاءت كتيبة ارتفعت ومتى شاءت كتيبة انحطت، ولو كنتم في صف واحد فزحفت إليكم الرجال فدفعتم عن الصف انتقض وكانت الهزيمة.»
62
بعث عبيد الله بن زياد الحصين بن نمير على مقدمته في اثني عشر ألفا لملاقاة التوابين، فاجتمع بهم في عين الوردة، فدارت المفاوضات بين مندوبي الفريقين لحقن دماء المسلمين، فلم يصلوا إلى نتيجة مرضية؛ لأن التوابين أصروا على خلع عبد الملك بن مروان - وكان قد ولي الخلافة - أولا، وتسليم عبيد الله بن زياد لهم ثانيا، ولم يتساهلوا إلا في طرد آل الزبير ودعاتهم من العراق على أن يكون حق الخلافة لآل بيت النبي
صلى الله عليه وسلم .
أدت هذه المفاوضات حتما إلى القتال، فاشتبك الطرفان في معركة دامية انتصر بها التوابون في اليوم الأول، وأظهروا من ضروب الشجاعة والتضحية ما جعل أعداءهم يقرون لهم ببطولتهم، فشهدوا لهم وقالوا: «إنهم كانوا يقدمون على شوكة شديدة ويقاتلون فرسانا شجعانا ليس فيهم سقط رجل»،
63
لكن هبطت الأمداد على الأمويين في اليوم الثاني فأكثروا فيهم الجراح وأفشوها، فاستمات التوابون في اليوم الثالث فكسروا - جفون سيوفهم - فقتل أكثر زعمائهم وبينهم سليمان بن صرد، فتقهقروا بعد هذه الهزيمة في الظلام حاملين جرحاهم، وعبروا الخابور متجهين إلى بلادهم، وقد تركوا وراءهم فرقة من الجند لتحمي مؤخرتهم وتشاغل أعداءهم لدى ارتدادهم.
ويجدر بنا أن نذكر وصايا سليمان بن صرد للتوابين قبل دخولهم المعركة، وهي كلها تأمر بالرحمة والمواساة والعطف على الجرحى والمصابين والأسرى، قال: «لا تقتلوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تقتلوا أسيرا من أهل دعوتكم؛ إلا أن يقاتلكم بعد أن تأسروه أو يكون من قتلة إخواننا ... فإن هذه كانت سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.»
64 (1-7) السبب السابع: الأزارقة الخوارج يساعدون ابن الزبير
الخوارج في عرف الإسلام هم كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه، - سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين بإحسان والأئمة في كل زمان،
صفحة غير معروفة