حين قتل عثمان وهبت عواصف الآلام في صدور من تخلف عن بيعة علي وغيرهم من العثمانية تربص معاوية يتتبع سير الأحوال، فلم يتابع عليا نظرا لما جاش في صدره من الأطماع في السيادة والسلطة على العرب، سيما ولعائلة أبي سفيان مجد تالد في قريش، ولأنه خاف من علي إذ علم أنه متى استتب له الأمر عزله ولم يستعمله،
27
فاستشار معاوية عمرو بن العاص في القيام عليه، فأشار على معاوية «أشرب قلوب أهل الشام اليقين بأن عليا مالأ على قتل عثمان قبل أن يدعوهم إلى الخلاف، وأن يتقدم إلى ذلك بالتوطين للأشراف منهم، خصوصا رأسهم شرحبيل بن السمط.»
28
فدس إلى أهل الرضا عنده أن يخبروه بفاجعة عثمان، الواحد أثر الآخر حتى أشبعوا نفسيته بأنه قتل مظلوما، فأتى معاوية وقال: «والله لئن بايعته لنخرجنك من الشام»،
29
فأجاب: «ما كنت لأخالف أمركم، وإنما أنا واحد منكم»، إن معاوية بعد أن ذلل هذه الصعوبة وتأكد من إخلاص زعيم أهل الشام عمد إلى اكتساب قلوب العامة، فأرسل شرحبيل في مدائن سورية يبايعهم على النصرة والمعونة والأخذ بثأر خليفتهم المظلوم، ولطالما بكى واستبكى الناس مذكرا إياهم بمصاب عثمان؛
30
مما يدلنا أن معاوية لم يحرم من المواهب الخطابية التي تؤثر في النفوس فتستهويها وتضرب على وترها الحساس فتجتذبها، فأجابه الناس كلهم إلا نفرا من أهل حمص.
ثم بين معاوية للعالم الإسلامي الأسباب التي دعته للثورة ، وضمنها في رسالة بعث بها إلى مندوبي ابن أبي طالب، وهي أساس المبادئ العثمانية، وتقول: «أما بعد ... فإنكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة، فأما الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا، وأما الطاعة لصاحبكم فلا نراها، إن صاحبكم قتل خليفتنا وفرق جماعتنا وتأوى ثارنا وقتلتنا، وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله فنحن لا نرد ذلك عليه، أرأيتم قتلة صاحبنا، ألستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به ثم نحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة»،
صفحة غير معروفة