ولو قد بايعوك ولي عهد
لقام الوزن واعتدل البناء
48
فتألم سليمان من هذه الفئة وحقد عليها، وود لو يوقع بها إذا أتاحت له الأيام ذلك، فلما قضى الوليد الأول اعتلى عرش الخلافة مخافة قتيبة، وأعلن خلعه وجعل يذمه ويثير ضغائن العراقيين ضد بني أمية والشاميين، ودعاهم إلى الاستقلال والانفصال كما دعاهم يزيد بن المهلب من قبله، فلقب سليمان «بهبنقة العائشي»؛ وذلك لأنه كان يعطي ويصطنع أهل النعم واليسار ويدع من سواهم، وكان هبنقة وهو يزيد بن ثروان يؤثر سمان إبله بالعلف والمرعى ويقول: «أنا لا أصلح ما أفسد الله.»
49
وخطب مرة في أهل العراق بخراسان فقال: «... إن الشام أب مبرور، وإن العراق أب مكفور، حتى متى يتبطح أهل الشام بأفنيتكم وظلال دياركم؟ يا أهل خراسان انسبوني تجدوني عراقي الأم عراقي الأب عراقي المولد عراقي الهوى والرأي والدين ... وقد أصبحتم اليوم فيما ترون من الأمن والعافية، قد فتح الله لكم البلاد وآمن سبلكم، فالظعينة تخرج من مرو إلى بلخ بغير جواز، فاحمدوا الله على النعمة»،
50
فأصدرت الحكومة الأموية أوامرها حالا للجيوش في الساحة الشرقية بالقفول وإعطاء الجند أعطياتهم والعفو التام عن المجرمين الذين كانوا في سجن قتيبة، وكان الناس قد سئموا القتال وودوا الرجوع إلى الأوطان وتطلعوا إلى السلام فلم يجبه أحد إلى خلع سليمان، فشتم كبار الزعماء ونسبهم إلى الغدر والمكر، فثاروا به بقيادة وكيع بن حسان بن قيس التميمي وهو أعرابي جاف، واتحدت العجم معهم عليه لبلائه فيهم فقتلوه مع أهله واحتزوا رأسه وهو لا يتجاوز الخامسة والخمسين، فارتاح سليمان لمقتله، لكنه فقدت به بنو أمية بطلها المغوار، فبكاه الشعراء وأسف لمقتله الناس، فقال عبد الرحمن بن جمانة يرثيه:
كأن أبا حفص قتيبة لم يسر
بجيش إلى جيش ولم يعل منبرا
صفحة غير معروفة