وقال سليمان بن داود صلوات الله عليهما: إن كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب.
وفي حكم آل داؤد حق على العاقل أن يكون عارفا بزمانه، حافظا للسانه، مقبلا على شأنه.
وقيل لعيسى عليه السلام: دلنا على عمل ندخل به الجنة؟ قال: لاتنطقوا أبدا، فقالوا: لا نستطيع ذلك، قال: فلا تنطقوا إلا بخير.
وتكلم جماعة عند معاوية والأحنف ساكت، فقيل له: مالك لا تتكلم يا أبا بحر؟ قال: أخشى الله إن كذبت، وأخشاكم إن صدقت.
ويزداد قبح هذه الآفات بازدياد فضل الزمان والمكان والغيبة ونحوها في الأوقات الفاضلة كرمضان، وأوقات الصلاة، وفي الأماكن الفاضلة أشد قبحا، ولا سيما في المساجد، ولهذا لا يجوز فيها من المباحات إلا أمور مخصوصة.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((جنبوا مساجدكم أسواقكم، وإقامة حدودكم، ورفع أصواتكم، ومجانينكم وصبيانكم، وسل سيوفكم، وبيعكم وشرائكم، وقال: إنما بنيت المساجد لذكر الله وأحكامه)).
وقال لرجل ينشد ضالته في المسجد: ((لا وجدتها، إنما بنيت المساجد لذكر الله)) فكيف والعياذ بالله بمن يتخذ المساجد أسواقا للأعراض ، ومطابخ للأغراض.
وإذ قد وقع الفراغ من تطهير الظاهر باجتناب آفات اللسان التي هي من ظاهر افثم، فلنختم الكلام بتطهير الباطن باجتناب آفات الجنان التي هي من باطن الإثم من نحو الكبر والعجب، والرياء، والمباهاة والمكاثرة، والحسد والغل، وسوء الظن، وموالاة الأشرار، ومعاداة الأخيار، وحب الحمد بما لا يفعل، والحمية والمداهنة، وحب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة كما قال، ومنه الفرح الملهي، والجبن بالقلب، والبخل بالمال، والسرف والاقتار، والجزع عند المصيبة، وما يتفرع من هذه الآفات.
صفحة ١٨