بدعوى الشارع عند ظهور المعجزة وفق دعواه هو من جنس المعارف الضرورية، وأن التصديق يقع بمشاهدة ذلك اضطرارا أو بوجودها تواترا، وإنما يتصور وجوب النظر أو لا وجوبه في معرفته بنظر واستدلال. وتكلف ما سوى هذا من القول في هذا الموضع تشويش للعقائد أو عناء. ولو أن واحدا واحدا من المدعوين للشرع تكلف مثل هذه الشكوك عند النظر فيما دعا إليه الشرع لكان إيمان كثير من الناس مما لا يقع، ولو وقع لكان في النادر. وبالجملة فكأن يكون دعاء الله الناس إلى الإيمان بالشرع بمثل هذه الطرق في حق الأكثر من باب تكليف ما لا يطاق. وليس يلزم من كون المعرفة بذلك ضرورية ألا ينفك عن الإقرار بها أحد، فإنه كما أنه ليس من شرط المتفق عليه أن (١) يكون ضروريا كذلك ليس من شرط الضروري أن يكون متفقا عليه. وهذا كله ليس من هذا العلم (٢) .
١٦ـ أما من ذهب من المعتزلة إلى أن الأفعال قبل ورود الشرع على الإباحة فإنما أرادوا بذلك ما لا يقضي العقل فيه بحسن ولا قبح. ومن قال منهم أنها على الوقف فأراهم رأوا ذلك فيما لا يدرك من الأفعال الحسن والقبح فيه إلا بانضمام الشرع إلى العقل، كما تقدم من آرائهم.
وأما من قال من الناس إنها قبل ورود الشرع على الحظر فقول لا معنى له، وهو بين السقوط بنفسه (٣) .
_________
(١) في الأصل: لأن.
(٢) وقريب من هذا ذهب إليه في الفصل والكشف والتهافت وفي غيره من شروحه الفلسفة الأخرى.
(٣) ينسب المستصفى هذا الرأي الأخير إلى المعتزلة أيضا لا إلى الناس هكذا بغموض وإطلاق كما فعل ابن رشد.
1 / 43