بعض الناس يظنّ أنّه مات، فيأخذ في جهازه إلى القبر. وإِنما يكون مسكَتًا. فربما زال سكاتُه، فتحرُك في اللحد قبل أن يُطَمّ، فيُرَدّ إلى أهله حيًا. وربما طُمّ بالتراب، فيموت خنقًا وغمًّا. ولهذا ذكَر الفقهاءُ أنّ ميتًا لو نُبش، فوُجِد قد مَزّق أكفانه وهو ميّتٌ، وجبت ديتُه على دافنيه. لأنّه، بتمزق أكفانِه، علِمنا أنّه دُفن حيًّا وأنّه كان مُسكَتًا. فكان موته بعد ذلك خطأً من دافنيه. قال بن عقيلٍ في الفصول، فيما أظنُّ بَعدَ طولِ عهدٍ: "هذه الواقعة وقعت في عصرنا، فتفتيتُ فيها بذلك". ولهذا قالوا أيضًا: يُتيقّن موتُه، إِن شٌكّ فيه، بانخساف صدغيه وميل أنفه وانفصال كفّيه واسترخاء رجليه؛ لأنّ الروح تَربط بعض الأعضاء ببعض، فبانفصالها يٌعلم زوالُه.
وأيضًا، فإِنّ مادّة ج- ن- ن ترجع إِلى معنى السِّتر، لا إِلى معنى الزوال والمفارَقة. عُلِم ذلك باستقراء موارِدها. فالجنون استتارُ لعقل، لا زوال العقل. فاعلم ذلك.
وقد سلك القاضي أبو بكرٍ وإِمام الحرمين في بيان أنّ العقل علمٌ ضروريٌ طريقًا آخر نحوًا من الأوّل. وهو أنّ العقل موجودٌ؛ إذ لا أثر للمعدوم. فهو إِمّا قديمٌ- وهو باطلٌ؛ إذ القديم لا يَحلّ المحدَثَ- أو حادثٌ. وهو إمّا جوهرٌ، أو عرضٌ. والأوّل باطلٌ؛ لأنّ الجوهر لا يقوم بالجوهر. والعرضُ ليس بكون ولا كونٍ؛ لأنّ العقل يوجد بدونها، وينتفى معها. فهو من قبيل العلوم. وليس نظريًا، لما سبق؛ ولا كلَّ ضروري، لأنّ بعض الضروريّات تحصل للمجانين. لكنّ إمام الحرمين يقول: "العقل والعلم جميعًا يُعلَمان بالتقسيم هكذا، لا بالتحديد، لقصور العبارة عن الوفاء بماهيّتهما". وقد خولف في ذلك. ١
1 / 73